جميع الحقوق محفوظة لصالح جريدة المساواة الرجاء ذكر المصدر عند اعادة النشر او الاقتباس

All rights reserved for Al Mousawat Journal Please mention the source when you republish or quote




Friday, March 8, 2013

الكاظمية ..بالأمس مسرح وحفلات لرضا علي يدندن بها أهالي المدينة





نبراس الكاظمي / عن صحيفة المدى
الكاظمية اليوم


خرج والدي من أحد البيوت في محلة التّل الظاهرة في الجانب الأيسر والسفلي من هذه الصورة. الكاظمية، كما أسلفت، كانت منغلقة على نفسها لعقود وقرون، ولكن جمعية بيوت الأمة جمعته مع ثلة من الشباب والشابات من محلات أخرى في المدينة، وأطلعتهم على الموسيقى وعلى مسرحيات ألفها رجل أمريكي، ووجهت طاقاتهم تجاه تنظيم السهرات الفنية التي كان يعود ريعها على فقراء القوم. أي أنها غرست مبادئ المدنية في نفوسهم، ومنها ان الفنون غذاء الروح، ولا توجد رفعة حقيقية اذا لم يسع القوم الى النهوض بكل من حولهم. لم تعزلهم في قوقعة أرستقراطية، لم تقل لهم بأن الفنون محصورة على فئة دون أخرى، لم تجندهم للحفاظ على مكاسبهم الطبقية، ولم تقل لهم انه لا يوجد شيء مجد في العالم الأوسع إلا ما توارثتموه من الأجداد.
ومن هذه المحلة أيضا، خرج أجداد وآباء السيد حازم الأعرجي، ممثل التيار الصدري في الكاظمية، ولكن، وبالرغم من طول إقامته في كندا “المدنية” جدا، جاءنا الأعرجي مؤخرا بحملة الـ “لاءات” الأربعة، التي أطلقها عقب الحملة الداعية الى منع النساء اللواتي لا يرتدن العباية من دخول أرجاء مدينة الكاظمية. وقد دخل المرجع آية الله العظمى اسحق الفياض على الخط، ونشر بيانا يدعو فيه إلى “وجوب تطبيق المؤمنين لحملة اللاءات الأربعة في مدينة الكاظمية”، مضيفاً “أن هذه الحملة تدخل في تطبيق الشريعة المقدسة”.(7)

منذ متى ونحن في مسعى لتطبيق الشريعة؟
بحجم احترامي لهذا المرجع، ولكن في واقع الأمر كان الفياض شابا مراهقا عمره 18 عندما شارك والدي، الذي يكبره بسنتين، في الفعالية المسرحية أعلاه. بل لم يكن الفياض في العراق أصلا، وإنما في محافظة غزني بأفغانستان، مسقط رأسه. فلا عتب عليه إن كان يجهل الانفتاح الذي شهدته الكاظمية حينها. ولكن ليس باستطاعتي أن ارفع العتب عن السيد الأعرجي بنفس الحجة، لأنه ابن الكاظمية، بل أجداده كانوا يسكنون في رأس نفس الدربونة المؤدية إلى بيت جدي. فهل يعتقد الأعرجي بأن الأشخاص الظاهرين في الصور أعلاه “فاجرين” او “فاسقين”؟ هل سيقول بأنهم دنسوا قدسية مدينتهم لأنهم شاركوا على مسرح مع سيدتين “سافرتين”؟ هل خانوا الأمانة عندما دندنوا برفقة المغني رضا علي؟
من أين جاءونا بهذا التطرف من بعد أن استطاعت الكاظمية أن تكسر قيود العزلة قبل 65 سنة؟
لا بد من أن في وقتها كان هنالك من يمتعض من عرض هذه المسرحية سنة 1947 وبنفس عقلية الأعرجي اليوم، ولكن لم تكن لديه الجرأة على التطرف علنا لهذه الدرجة وإطلاق سيل من الاتهامات بالفسوق ضد القائمين عليها، لأن المشاركين هم من عوائل ذات جذور قديمة في المدينة، وتجمعهم أواصر القربى والجيرة والعمل مع عدد كبير من العوائل الأخرى، فإذا أراد احدهم أن يفتعل أزمة، كان سيواجه بتوبيخ من “حكماء” المدينة، وان كانت أجواؤها العامة تقليدية أو حتى رجعية، لأن هؤلاء الوجهاء مكلفون بالمحافظة على السلم الأهلي. إذن، الأواصر المدنية تعمل على تهذيب التطرف أيضا، وتحجيمه، وهذا غير موجود اليوم لأن الكاظمية التي شهدت تمزقا حادا في وشائجها التقليدية والأسرية، فحالها من حال الكثير من المدن التي تعرضت إلى تغيرات اجتماعية وديموغرافية واقتصادية مهولة، ناهيك عن دورات الزمن التي مرت عليها والتي جاءتها بانقلابات وتسفيرات وحروب وحصار وقمع واحتقان.

ما الفائدة من استرجاع ذكريات الماضي “الجميل"؟
قد يقول البعض بأن هذه الظاهرة المدنية التي أزهرت في الثلاثينات والأربعينات كانت قشرية، نخبوية، ولم تمتد جذورها إلى أعماق ووجدان المجتمع العراقي، في حين أن الدين متجذر في بيئتنا، ولهذا استطاع الصمود، ومعاودة الانتشار من بعد الظروف القاسية التي مرت على البلد. ولكن الدين الذي ظهر علينا اليوم هو امتداد لعواصف التشدد التي تعاقبت على العراق، من القومية الشوفينية التي حاصرت وهجرت الأقليات والهويات الفرعية، إلى مطحنة البعث المسخ التي أتت بلوثته على كل حصادنا المدني. ودعونا لا ننسى بأن البعث وظّف الدين لغاياته التسلطية إبان ما كان يعرف بـ”الحملة الإيمانية” في التسعينات، وخّط شعار “الله اكبر” على علمنا. فالدين في العراق اليوم، في شقيه الشيعي أو السني، لا يعكس الإرث المتسامح الذي كان ضاربا فيه، من التصوف قديما إلى الحوزة النجفية في مطلع القرن الماضي والتي أنجبت محمد رضا الشبيبي ومحمد جواد الجواهري، فحتى الدين لم يكن بمعزل عن الانفتاح الذي ساد في تلك الحقبة المتسامحة. بالطبع، بقيت هناك جزر من التطرف هنا وهناك، ولكنها لم تستطع أن تمنع أو تكبت الاندفاع نحو الجديد، في حين اليوم نرى أن هذا التطرف الديني يتمدد كي يفرض إرادته على كل ما يراه مغايرا.
الحنين إلى الماضي
نحن هنا لا نجتر الماضي كي نمارس الـ”نوستالجيا”، أي الحنين إلى الماضي. فغايتنا ليست التباكي على الأطلال، ونعي “زمن جميل وعدا”، وإعلان استسلامنا أمام التطرف. استرجاع الذاكرة المدنية يتيح لنا تقديم أمثلة على ما هو ممكن في مجتمعنا لو سمحت بذلك الظروف وتضافرت الجهود. فالمسافة بين كشيدة جدي وبين هاتين الآنستين اللتين شاركتا في المسرحية قصيرة جدا، بل تقاس بجيل واحد.
عندما ابتدأ المشوار نحو بلد ومجتمع جديد عام 1921، سنة تأسيس الدولة العراقية وإطلاق هوية لها، كان العراق عبارة عن تراكم لمفاهيم متناقضة وحالات ثابتة لم تتغير منذ أزل بعيد، ففي الأرض التي ظهرت فيها أولى مدن العالم كانت الحالة المدنية قد أمست في اضعف حالاتها، من بعد سطوة الحروب والآفات والانفلات. فكان اغلب سكان العراق يسكنون قصبات ريفية منعزلة، أو تتسم حياتهم بمراحل متفاوتة من البداوة. بل أن الكثير من سكانه كانوا حديثي القدوم إلى العراق في هجرات لم يمض عليها إلا قرن أو قرنان. وحتى مدنه، كبغداد، كانت أشبه بتجمع لقرى متجاورة منغلقة هي الأخرى على نفسها، إن كانت “قصبتي” الكاظمية او الأعظمية، أو حارات اليهود والنصارى، أو المحلات التي نشأت جراء هجرات حصلت في القرن التاسع عشر وباتت تعرف بهوية المهاجرين إليها مثل الططران، الهيتاويين، المهدية، التكارتة، السوامرة، الدوريين، الكريمات، . . إلخ.
ولكن، في مطلع القرن العشرين، حدث أمر جديد، فالظرف السياسي والعالمي اخرج العراق من عزلته، ووضعه أمام أمر جديد وصارخ في حداثته، وهو قدوم الانكليز والعهد الفيصلي وإنشاء بلد حديث على أنقاض وركام تاريخه وتناقضاته. وفي فترة وجيزة، جرت متغيرات لربما كانت تبدو وكأن العالم قد انقلب على عقباه في أعين جدّي.

الاستسلام للتحولات الجديدة
لم تصل إليّ آراء جدي وخواطره، هو المتوفى سنة 1951، ولا ادري ما كان يجول في خاطره وهو يرى ابنه يشارك في عرض مسرحيات غربية، وبأزياء غريبة. هل توصل الى قناعة بأن العالم قد تغير، وبأن عليه مراعاة هذا الواقع وعدم الوقوف أمامه؟ لا ادري، ولكن ما استطيع استنتاجه هو انه شهد تحولات جوهرية ومهولة، بالنسبة لما توارثه عن آبائه، في جيل أبنائه وبناته، وحسبما سمعته من والدي وعماتي، فقد استسلم لهذا التحول، بل يبدو بأنه في نهاية المطاف تقبله.
أتصور أن هذه المتغيرات قد مرت على الكثير من العوائل والأسر في العراق، والكل لديه قصة في ذلك. فحتى الطبقات المدقعة مرت عليها تغيرات شديدة عصفت بكل قناعات الأجداد، فوجدوا أنفسهم أمام الحداثة وصخبها واستفزازاتها، خصوصا أولئك الذين هاجروا، لظروف متعددة، من الريف إلى الحواضر المدنية التي باتت تتسع بتسابق مع زمن يمر سريعا وهائجا.
ماذا كان يجول في ذهنهم؟ هل تستطيع يا أيها القارئ أن ترى مطلع القرن الماضي من وجهة نظر أجدادك الذين واكبوه؟
نسترجع الماضي كي نطرح هذه الأسئلة على أنفسنا، ولربما نستعيض ببعض إجاباتها ونحن نواجه متغيرات هائلة في مطلع القرن الواحد والعشرين. فما يعني فيسبوك للمجتمع العراقي؟ ما هي آثار الستلايت والمسلسلات التركية على التركيبة الأسرية وأعرافها؟ كيف سنمارس الديمقراطية ونحن محّملون بأعباء الهويات المتوارثة التي علينا التنازل عن قسم منها كي نُنجح التجربة؟


 
كيف انحرفنا الى الهاوية؟!
بين الفينة والأخرى أقوم بتصفّح الدليل الرسمي الصادر باللغتين العربية والانكليزية سنة 1936 لأنني أرى فيه عالما لا يشبه عراق اليوم إلا باسمه وجغرافيته وبعض المؤشرات الشحيحة. ففي هذا الدليل نرى بلداً متحضراً، منفتحاً، متجهاً بثقة نحو المستقبل ونحو العالم. بالطبع، لم يكن هذا الحال معكوسا على كافة أرجاء وطبقات البلد، ولكن الفقر والعوز كان موجودا، بل متفشيا، في الكثير من أرجاء العالم، ولكن بالرغم من ذلك استطاعت نُخبها أن تحافظ على منجزاتها، حتى من بعد حروب طاحنة وسعير اديولوجيات متطرفة. فأعود واسأل نفسي هذا السؤال وأنا اقلب هذا الدليل بين يديّ: أين ضللنا الطريق نحن وبلدان أخرى كمصر؟
أسئلة معقدة، وستذكرنا بآلام مريرة، وقد لا نحصد منها إلا التنهدات. فدعونا نجتر، في هذه المقالة، ما يعود بفائدة وإرشاد علينا في حاضرنا. نعم، علينا أن نستدل كيف انحرفنا إلى الهاوية كي لا نقع فيها مرة أخرى، ولكن قبل الإمعان في ذلك، علينا أن ندب الحياة مجددا في مدنيّتنا. المدنية هي بداية العافية. دعونا نعود إلى ما كان جميلا، وممكنا، في الماضي كي نمضي قدما.
ودعونا نلقن، ونطعّم، أجيال القرن الحادي والعشرين العراقي بأن تاريخنا في القرن الماضي لا يمكن اختزاله بانقلابات وسحل ومشانق وكيمياوي وبوابة شرقية وزرقاوي و”دريل” أبو درع. دعونا نذكرهم بأن تاريخنا يحوي أيضا جمعية بيوت الأمة، ودليل عام 1936.
لأن اكبر تحدٍ يواجهنا اليوم هو التطرف الذي يجتر هو أيضا ما يناسبه من الماضي كي يباعدنا. ويتهيأ لي بأن الظاهرة المدنية أفضل مضاد حيوي يكاسر هذه الحمى.

لِم المدنية تحديداً؟
لأن المدنية مبنية على فكرة بسيطة وعميقة، وهي أن المسافة التي تضعك بمقربة من نقيضك تحتم عليك تقبله، وإلا ستبقى محكوماً بزمن لا ينتهي من المواجع. لك أن تضع مسافة بينك وبين ما يستفزك في الأرياف والبادية، وان تنظم هذه المسافة عن طريق أعراف عشائرية تحفظ لك تفردك ضمن الهوية المتوارثة. ولكن المدينة، في ابسط تجلياتها، تجمع عدد كبير ومتنوع من البشر، وتحتسب لهم أمكنة عامة وخاصة، وتنظمها بقانون يخطط الحد الفاصل بين جدار المنزل والشارع، بين المستوصف وغرفة النوم، بين المسجد وبين الحانة. لك أن تمارس ما توده، ضمن المعقول، في إطارك الخاص والمساحة التي تخصك، ولكن عليك القناعة بأن المساحات خارج هذه الأطر هي لك ولغيرك، وعليك الوصول إلى حل وسطي “يچفيك” و”يچفيه” ما لا يستطيع الطرفان تحمله.
إذاً، المدنية تجبرك على التكيّف والتعايش، مع جار مزعج، مع ضوضاء السوق، مع أجراس الكنيسة، وصوت المؤذن أيضاً. ملكية الشارع متكافئة بين من يقود المرسيدس، ومن يقود السايبا، ومن يمضي على قدميه، او على كرسيه المتحرك. وستقع عيناك على امرأة بعبايتها، وعلى شعر متطاير، وعلى بدلة أنيقة، وعلى دشداشة بهيّة.

 



الصفحة الرابعة/ السنة العاشرة/ العدد 23 /08 اذار 2013

1 comments:

  1. https://www.google.com/search?q=%D8%A5%D9%85%D8%A7%D8%B1+++++++++++%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%A9+%D9%84%D9%85%D9%86+%D9%84%D9%84%D9%85%D9%87%D8%AF%D9%8A+%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%AA%D8%B8%D8%B1+%D8%A7%D8%B5%D8%AD+%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%85+%D9%82%D8%A8%D9%84+%D8%B5%D8%AF%D9%85%D8%A9++++++%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%AF&biw=1024&bih=629&source=lnms&tbm=isch&sa=X&ved=0ahUKEwjO4vyYrKPNAhWDLMAKHbixAY4Q_AUICCgD#tbm=isch&tbs=rimg%3ACf1UeK2xNzFBIjgMkOZeqyGNTmotQPrnEhNMN6bL_1n2zi6IvWnhid90hDjAu18h4wacr1a3dN0qNs86i2_1sFA_1yXHSoSCQyQ5l6rIY1OES3Ff2Qo8Nv3KhIJai1A-ucSE0wRvjzmqmHQjqYqEgk3psv-fbOLohF-K5QMiQl9YCoSCS9aeGJ33SEOEbFsHP0iJwQLKhIJMC7XyHjBpysRzMxiR-0SQ98qEgnVrd03So2zzhHs2ne61c1t3CoSCaLb-wUD_1JcdEUII1PnV_1SQc&q=%D8%A5%D9%85%D8%A7%D8%B1%20%20%20%20%20%20%20%20%20%20%20%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%A9%20%D9%84%D9%85%D9%86%20%D9%84%D9%84%D9%85%D9%87%D8%AF%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%AA%D8%B8%D8%B1%20%D8%A7%D8%B5%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%85%20%D9%82%D8%A8%D9%84%20%D8%B5%D8%AF%D9%85%D8%A9%20%20%20%20%20%20%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%AF&imgrc=NgBFG_2Rch_9lM%3A

    ReplyDelete