محمد أبوعبيد
حكام الشرق الجدد، الذين جاءوا على ظهر 'الربيع العربي' يريدون اقناعنا أن مشاكلنا هي تلك الممثلة، أو هذه الأديبة، أو في أن للرجل الحق في الزواج من أكثر من واحدة، أو أن الخلاص يكمن في قوننة حياة المرأة.
بعد أن سقطت بعض الأنظمة الفاشية والديكتاتورية في إطار ما يطلق عليه "الربيع العربي"، أوحى بعض السياسيين، أو المسيَّسين، أنّ مشكلة الأوطان العربية لم تكن سوى مشكلات حول النساء. فمن يتابع كثيراً المدفعية الخطابية الثقيلة لبعضهم سيعتقد أن المواطن العربي لم يكن يعاني الفقر والبطالة، وقلة التعليم وغياب التطبيب المجاني، ولم يكن يعاني أزمة السكن والتعليم، وفوق كل ذلك لم يكن يعاني سلب الحرية والكرامة منه.
اليوم أغلب نصوص خطابات هؤلاء تتمحور حول المرأة وكأنها هي التي غرزت الوطن العربي بالوحل فلم يتقدم. فصار همُّ المنادين بتغيير الدساتير، أو تعديلها، هو "المرأة"، وكيف يضيقون السجن عليها، ويطالبون بسن قوانين متعلقة بها، بالطبع سلباً، ما يوحي أن المجتمعات العربية في أبهى أوضاعها، وهي في حاجة فقط إلى "قوننة" حياة المرأة بما يشتهون هم وليس الدين.
كان من المفترض أن ينصرف الاهتمام والانتباه من قبل هؤلاء الذي تسلموا الحكم، أو يؤثرون في من تسلموا الحكم، إلى ما هو أولى بالمعنى الحقيقي لا المجازي للكلمة. فالمواطن العربي عاني بما يفوق طاقته، ولعله استبشر خيراً بحقبة ما بعد الديكتاتوريات، وإنْ كانت بوادر ديكتاتوريات جديدة تلوح في أفقه المضْيقّ أصلاً، وهذا الاستبشار قائم على ما يعده بحياة أفضل وأكثر هناء، وليس بتسخير الاهتمام نحو ما هو ليس همّا لأغلبية العرب.
عندما يثور الإنسان ضد القمع والقهر والحرمان، فإنه حتماً يسعى لما هو عكس ذلك تماماً، وإلا فإن ثورته ستذهب هباء منثوراً حين يحيد البعض بمنجزها نحو غايات أخرى. لذلك لو رصد المرء أغلب الخطابات والتصريحات على ألسن من ظهروا اليوم كقادة، سيرى جليا غياب ما يبشر بمستقبل واعد للمواطن العربي. ولعل هذا ما يذكّر البعض بأول ما بشر به، مثلاً لا حصراً، الزعيم الليبي الجديد مصطفى عبدالجليل حين نفث بشراه لليبيين الذكور قائلاً، بما معناه، اليوم يمكن لكم أن تتزوجوا من أربع نساء، علمأ أن مشكلة الليبي لم تكن هذه المسألة.
حتى في مصر، كاد البعض أن يوحي بأن مشكلة المصريين لم تكن سوى تلك الممثلة، أو هذه الأديبة، فلم يسخروا ظهورهم، والظهور هنا بمعنى الإطلالة، على شاشات التلفاز إلا للتشهير بهذه أو تلك، أو لمنع هذا المشهد السينمائي أو ذاك. لعلهم في حاجة إلى من يذكرهم بأن هناك فقرأ وبطالة في مصر، وثمة تدني أجور، وأن مصر تعاني فساداً إداريا وأزمات سكن وهي في حاجة إلى استثمارات كبيرة لخلق فرص عمل تجعل المصري قابعاً في أرضه لا باحثاً عن الهجرة. وما مصر هنا إلا مثال لا حصر، حيث الأمر عينه ينطبق على الكثير من دول "الربيع العربي".
المطلوب تمكين المرأة وإشراكها في كل أطياف الحياة في حقبة ما بعد الطغاة، وليس التضييق عليها، لأن شلّ نصف المجتمع سيخلق مجتمعاً مشلولاً.
الصفحة الثالثة/ السنة العاشرة/ العدد 23 /08 اذار 2013
0 comments:
Post a Comment