جميع الحقوق محفوظة لصالح جريدة المساواة الرجاء ذكر المصدر عند اعادة النشر او الاقتباس

All rights reserved for Al Mousawat Journal Please mention the source when you republish or quote




Sunday, July 8, 2012

أنثى لجميع الاستعمالات




سهيلة بورزق

عندما جمعتني الحياة بزوجي كنت في السابعة عشرة من عمري، وكأية مراهقة ظننت الزواج جنة مملوءة بالخيرات والأحلام والنعيم، لم تهتم أمي بتعليمي الطبخ والغسيل وفوضى الخدمات المجانية التي تُقدَّم للزوج باسم الشرعية التقاليدية الموروثة عن جهل وأمية وقبح، ولم أهتم أنا بحقيقة ما أنا مقدمة عليه من علاقة مفتوحة على مسؤوليات غير منتهية تنصب كلها في التنظيف والطبخ والفراش .
مرت أيام العسل، وبدأت أيام البصل والثوم والصلصة، وجدت نفسي عاجزة عن فهم مصدر دموعي الغزيرة وأنا أحاول تقطيع بصلة، فأتوقف وأواصل بكائي حتى يعود زوجي من عمله، كان يجدني حزينة وجائعة فيضمني إليه وهو يضحك بهستيرية تفقدني أعصابي ثم يأخذني من يدي كطفلة تائهة إلى أفخم الفنادق .
ليلتها قررت، بيني وبين نفسي، أن أتعلم قلي بيضة ولو كلفني ذلك حرق البيت كله، اتصلت بأمي ورحت أشكو لها همي فنصحتني باقتناء كتب الطبخ.
لم تكن أمي تتقن القراءة بالعربية فهي من الجيل الذي درس على يد الفرنسيين أيام الاحتلال، وبدل أن تعلِّمني كيف أطبخ علمتني كيف أقرأ وأنطق الفرنسية على أصولها، كانت تضع صينية الخضار على طاولة المطبخ ثم تناديني لتستمع إلى فرنسيتي، وإذا أخطأتُ في نطق كلمة واحدة أوقفت كل شيء لتصححها لي .
وضعت الزيت في المقلاة، وكسرت البيض، ورششت فوقه القليل من الملح ثم دخلت أستحم، كنت أشاهد أمي تترك القدر على النار وتهتم بأمر آخر .
غنيت للسيدة ” فيروز” وأنا تحت رشاش الماء، وغنيت الأطلال للسيدة ” أم كلثوم ” وأنا أقوم بطلاء أظافري ثم تذكرت بيضاتي …كدت أطلب المطافئ لولا أن جارتي هجمت على بيتي وهي تصيح: حريق في بيتك يا مجنونة… كانت الوحيدة التي تعرف سرّي، ضحكنا حتى سالت دموعنا ثم ساعدتني في تنظيف ما نتج عن الحريق الذي تسبب في عقدتي الأبدية تجاه البيض .
كنت عندما أجوع أقرأ كتاباً وأبكي شوقاً إلى طبيخ أمي… لكن هل تصدقون أنني اليوم تحولت إلى طاقة نووية في شغل البيت؟ فأنا زوجة وأم وطباخة وسمكرية وصباغة وميكانيكية وكهربائية ومدرِّسة خصوصية وممرضة، والأدهى من ذلك أنني كاتبة أحلم بنشر كتاب واحد قبل موتي، فلم يعد الوقت يكفيني لشيء، ولم يعد قلبي رحباً كسابق عهدي به، ولم تعد الحياة هي نفسها التي استنشقتها وأنا حرة طليقة قبل الزواج، لقد أصبحت مُلكاً لرجل وثلاثة أطفال في منتهى الروعة وفي منتهى السجن أيضاً.

الصفحة العاشرة/ السنة التاسعة/ العدد21 /08 تموز 2012

0 comments:

Post a Comment