انتحار النساء العراقيات ناقوس ينذر بمخاطر اجتماعية؟
الانتحار في ظل غياب العدالة الاجتماعية
ألاء الجبوري/ اعلامية وناشطة بمجال حقوق المرأة
يعتبر العنف الاسري والكبت الاجتماعي والتابوهات العرفية والعشائرية والدينية المغلفة باطر قاسية وخطوط حمراء. ان هذه الاسباب وغيرها احد مسببات الانتحار بل يكون المحرض على جريمة الانتحار ولكن في كل القضايا ينال المحرض عقوبة قانونية رادعة عليها الا في جريمة الانتحار بل ان قضية انتحار المرأة استغلت لقتل المرأة في احيان كثيرة فقد خرجت عدة منظمات مجتمع مدني بأن العديد من حالات الانتحار حرقا في كردستان هي في الأصل جريمة قتل استغلت فيها قضية الانتحار.
الدولة مشغولة بأطرها التشريعية والتنفيذية والإعلام مشغول بكل طاقاته في الصراع السياسي ونحن لا تعي خطورة هذا الملف على البنية الاجتماعية والاسرية العراقية .
حكاية فتاة جامعية: تروي الطالبة الجامعية اميمة حاتم كيف أن صديقتها يسرى تناولت عشرات حبوب الباراستيمول لغرض الانتحار، لأن والدها رفض تزويجها بزميل لها في الجامعة. المثير في الحادثة عام 2010 ان أهلها رضخوا لرغبتها في الزواج بعدما حاولت الانتحار. وتركت الحادثة آثاراً نفسية لا تمحى في شخصية يسرى التي بدت بعد الحادثة خائفة وقلقة، وتنتابها موجات من الإغماء حتى بعد زواجها.
وتشيع في معظم مدن العراق حوادث انتحار النساء، لكن غالبيتها لا ترى الضوء، أو يخفيها أصحاب الشأن عبر تغليفها بقصص وحكايات أخرى تجنبا لإشاعة الخبر على الملأ . ورغم الخجل الذي يبدو على محيا امينة، فانها تروي محاولة انتحارها في سوريا عام 2009، بسبب تخلي خطيبها المقيم في السويد فتقول : أمينة إنها تلقت خبرًا من خطيبها السابق بالانتقال إلى سوريا إلى حين إكمال معاملة سفرها إلى السويد، وفعلا ذهبت إلى دمشق وبقيت هناك حوالي السنة، وأصابها الذهول بعد طول انتظار أن خطيبها تخلى عنها حيث أرسل لها مبلغا من المال ورسالة اعتذار . عندئذ قررت أمينة الانتحار حين وجدت أنها ضاقت بالحياة ذرعا، وعن عودتها إلى العراق أقفلت الباب على نفسها وقطعت شريان يدها، لكن سرعة اكتشاف الأمر من قبل أخيها حال دون موتها وتضيف: “بعد عام على إقدامي على الانتحار راسلني خطيبي وأنه يود إعادة العلاقة والزواج بي ، وأنه نادم على فعلته”. وتضيف أمينة: “اضطررت إلى القبول بذلك تحت ضغط الأهل، وها انا استعد للانتقال إلى السويد."
أما ابتسام فتاة ريفية بعمر 17 سنة احبت شابا تقدم لخطبتها لكن اهلها رفضوه واجبروها على الزواج من ابن عمها فقامت بحرق نفسها قبل حفل الزفاف.
بينما انتحرت شابة بحرق نفسها عندما قام اخوها بحلق شعرها لانها ذهبت الى صالون الحلاقة لقص شعرها ما دفع هذه الفتاة الى الانتحار حرقا وافلات المحرض على الانتحار من العقوبة الاجتماعية والقانونية بل انه وقف في مجلس عزاء اخته المنتحرة ليتلقى التعازي بإنتحار اخته.
ان الارقام المعلنة قد تكون اقل من الحقيقة بكثير فالمجتمع العراقي يرى الانتحار وصمة عار في سجله وخصوصا انتحار المرأة، اذ غالبا ما يربطها المجتمع بشرفها لذا تتجنب العائلة العراقية الافصاح عن الانتحار فتقول انفجرت المدفئة او احترقت بالفرن لكي تخفي قضية الانتحار. او لعبت بسلاح والدها او شقيقها او اخذت العلاج عن طريق الخطأ مما يسبب تعتيم اجتماعي واعلامي ورسمي للقضية مما يزيد من تعقيداتها وعدم وضع الاستراتجيات الخاصة للمشكلة.
ان غياب العدالة الاجتماعية في ظل التغيير الديمقراطي المشوه وسط الفوضى الخلاقة هي التي خلقت احباطا ويأسا لدى المنتحر العراقي بصورة خاصة والعربي بصورة عامة وهيأت له الظروف المناسبة للاقدام على الانتحار اما انتحار النساء وخصوصا النساء في كردستان العراق يعود الى غياب العدالة الاجتماعية في التعامل مع المرأة ومن جانب اخر وسائل الاتصالات الحديثة من موبايل وانترنيت وفضائيات والمسلسلات التركية المدبلجة اخرجت المرأة العراقية وخصوصا المهمشة او القروية من عزلتها وبدأت تطرح الاسئلة حول حقوقها الشخصية في اختيار الزوج والحب وتكوين العائلة.
نوجه السؤل للدكتور الطبيب والباحث الموسوعي رافد علاء الخزاعي استاذ الطب الباطني في كلية طب الجامعة المستنصرية والاستشاري في مستشفى اليرموك حول الانتحار وخصوصا لدى النساء؟
ان ازدياد حالات الانتحار عالميا واقليميا بتعدد الاسباب والطرق واختلاف البيئة والظروف المحيطية لكل حالة بحيث ان في كل اربع ثواني تسجل حالة انتحار على المعمورة والازدياد المضطرد بتسجيل الحالات من سنة 2000 حيث سجلت 870000 حالة انتحار وفي 2010 سجلت منظمة الصحة العالمية اكثر من مليون ومئتان الف محاولة انتحار مؤدية للوفاة واكثر من خمسة ملايين حالة انتحار فاشلة ، ويعتبر الانتحار السبب الثالث للوفاة بعد امراض القلب والسرطان جعل منظمة الصحة العالمية امام تحدي كبير لدراسة الاسباب ووضع المعالجات والحلول اللازمة لتقليل حالات الانتحار والكشف المبكر عن المنتحرين ووضع الاستترايجيات اللازمة من اجل عالم خالي من الانتحار لذلك يحتفل العالم في كل 10 ايلول من كل عام في اليوم العالمي لمكافحة الانتحار في غياب رسمي وشعبي لتدارس هذه الحالة والمرأة تشكل عدد لا باس به من عدد المنتحرين حيث تشكل نسبة اعلى من الثلثين او مناصفة مع الرجل.
ان الانتحار هو التصرف المتعمد من قبل شخص ما لإنهاء حياته. ويرى آخرون أنه قتل النفس تخلصا من الحياة، وقد اختلفت الآراء حول الانتحار هل يعكس شجاعة الشخص المنتحر أم جبنه وانعكاس لفشله وعدم الحاجة لاستمرار حياته.
أن قتل النفس أو الانتحار هو سلوك إنساني معروف عبر التاريخ .. ويشترك الإنسان وبعض الكائنات الحية الأخرى في هذا السلوك .. ومثلاً تقدم العقرب على قتل نفسها بنفسها بواسطة اللدغ عندما تجد أنها محاصرة بدائرة من النار ولا تستطيع الخروج من هذه الدائرة .. وبذلك فهي تختار أن تنهي حياتها بنفسها بدلاً من أن تموت احتراقاً .. وهنالك الانتحار الجماعي للحيتان نتيجة فقدان الاتجاه المغناطيسي بسبب التلوث البيئي البحري، وهنالك انتحار البغال في الجبال نتيجة العمل الشاق في حمل الاثقال.
ويبدو أن سلوك العقرب والحيوانات هذا السلوك الغريب له ما يبرره ..!! وربما يعكس إحساساً فطرياً وغريزياً بأن الموت قد أصبح قريباً جداً بسبب اقتراب النار الملتهبة منها وعندها تفضل أن تقتل نفسها بنفسها محافظة على تفوقها وقوتها وكرامتها !!! ، وبواسطة السلاح الذي تستعمله لقتل الأعداء وهو نفس السلاح الذي يحميها ويضمن لها بقاءها واستمرار حياتها وكفاحها فيها.
والحالات المشابهة عند بني البشر ليست كثيرة .. ولكنها موجودة ولاسيما في حالات مثل الحروب والوقوع في الأسر ونفاذ ذخيرة المقاتل وغيرها .. وهي لا تمثل إلا جزءاً قليلاً من حالات الانتحار عند بني البشر . وكذلك نتيجة الحرمان العاطفي والاجتماعي وعدم تحقيق العدالة والشعور بالخذلان والفشل ولذلك نرى انتحار نساء النخبة مثل الناشطة المصرية ذرية.
الانتحار معناه ان يقوم الفرد بقتل نفسه عمدا وذاتيا وأكثر الطرق شيوعا هي الشنق ثم القتل بالسلاح الناري او الحرق بالنار ويحدث الانتحار لعدة عوامل منها النفسي حيث حلل فرويد الانتحار بانه عدوان تجاه الداخل، ثم قام عالم اخر بتعريف ثلاث ابعاد للانتحار هي رغبة في القتل ثم رغبة في الموت ثم رغبة في أن يتم قتله.
وعالم آخر وضح بان الانتحار يختلط به عدد من الأحاسيس منها الانعزال اليأس والاكتئاب ويشعر بألم انفعالي لا يطاق ولا يوجد حل سوى الانتحار. أما المدرسة المعرفية فقد رأت الانتحار برؤيا النفق أو التفكير غير المرن حيث أن الحياة مريعة ولا يوجد حل سوى الانتحار والبعض رأى الانتحار أنه تعبير عن البكاء الرمزي أو للفت الانتباه.
ويوجد للانتحار أسباب عضوية منها الوراثة أو نقص السيروتونين وهناك أسباب اجتماعية فسرها عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم حيث فسر الانتحار بسبب تكسر الروابط الاجتماعية والانعزال، وقد تؤثر عوامل الضغوط النفسية وعدم القدرة على كبحها وخاصة الفقر والبطالة.
لذلك اني أرى في هذه واقعة الانتحار عند النساء عندما يعجز عن التعبير اللغوي او الحركي يؤدي الى خرس فكري في ثقب الذاكرة فيكون الانتحار رسالة تكتبها للآخرين وكما قال الفيلسوف الألماني نوفاليس (ان الفعل الفلسفي الحقيقي هو الانتحار).
هنالك انتحار من نوع اخر هو الانتحار في سبيل الوصول للجنة والحور العين وانهار الخمر نتيجة الكبت العاطفي والتأصيل الخاطئ للدين والفكر التكفيري، والمقدمون على هذا النوع من الانتحار يحملون فى طياتهم رغبة الموت والايمان بضرورته من أجل الوصول إلى أهدافهم ولكنها رغبة غير ظاهرة تماماً و لم يكن شبان القاعدة الذين فجروا أنفسهم فى برجي التجارة العالمية بنيويورك طلائع للانتحار الواعي و لكن سبقهم طياري الكاماكازي اليابانيون فى الحرب العالمية الثانية التي انتهت نهاية مأسوية باستعمال الولايات المتحدة أخطر آلة قتل في تاريخ الانسانية (القنبلة الذرية) في هيروشيما و ناكازاكي. وهذا ما يسمى بالطعنة النرجسية..
هل هنالك اسباب اخرى دكتور غير التي ذكرتها حول الانتحار مثل الاعجاب بالفنانين او الانتحار في سبيل الحب؟
لدينا سبب اخر للانتحار هو الشعور بالنقص او الاحباط العاطفي.... ، وهو شعور ممكن أن يكون واقعياً وخيالياً. و لكن عدم القدرة على تخطي ظروفه يجعل ضحاياه كثيرين و من أشهرهم كليوباترا الأميرة المصرية التي انتحرت عندما سمعت إشاعة عن مقتل أنطونيوس ماركوس حبيبها الذي هزمه أوكتافيوس في معركة أكتيوم فانتحرت بلدغة أفعى ليسبقها هو أيضاً. وان قصة روميوا وجوليت رائعة شكسبير هي تعبير عاطفي عن الانتحار. ومن هنا نرى ان شكسبير شجع الانتحار بطريقة ايمائية فكم من روميو وجوليت مكرر في العالم ؟! وهنالك الانتحار بسبب فقدان الاعجاب بفنان او شخص .
(سامحني يا رب على ما فعلت بنفسي. لم أقو على تحمل هذه الصدمة بوفاة أعز وأغلى ما في الحياة عبد الحليم حافظ، فقد كان النور الذي أضاء حياتي. واليوم.. الخميس كرهت الحياة منذ اللحظة التي قرأت في الصحف وفاته!)
بهذه الرسالة الدامعة أنهت أميمة عبد الوهاب محمد – 21 سنة حياتها، بأن ألقت بنفسها من الطابق السابع في البناية ذاتها التي كان يسكن فيها مطربها المعشوق عبد الحليم حافظ !
وكذلك فان الادمان على ادوية النحافة تزيد من حالات الانتحار.. وقد أكد تقرير لمنظمة الصحة العالمية أن 16% ممن يحاولن الانتحار من مدمنات النحافة ، وتخوفهن من زيادة الوزن الذي يصل إلى حد الرعب مما يدخلهن في حالة اكتئاب تدفعهن للتخلص من الحياة ، وبرغم نحافتهن إلا أنهن يلجأن إلى استخدام أقراص المسهلات أو التقيؤ كما كانت تفعل الأميرة الراحلة ديانا مما يحرم الجسم من العناصر المغذية الضرورية له ويؤدي إلى مشكلات معدية وأمراض في القلب وتدهور حالة الأسنان . وأشار التقرير إلى أن معظم النساء اللاتي يعانين من فقدان الشعر وتوقف الحيض في سن مبكرة واضطراب الغدة الدرقية وما يتبعها من آثار هن من مدمنات النحافة.
ان ازدياد حالات الانتحار للمراهقين تحت سن السادسة عشر حيث سجل في الولايات المتحدة اكثر من ثلاثة ملايين محاولة انتحار مما جعل الرئيس اوباما ان ينشى غرفة طوارئ لمتابعة حالات الانتحار للمراهقين. ويقصد به الانتحار في الفئات العمرية دون 15 سنة وهي حالات نادرة وتكون عفوية لا يوجد فيها تخطيط أو تصميم بل تكون نتيجة تأثر الطفل بالخيال حينما يرى أفلاماً أو يقرأ قصصاً خيالية تشجعه عليه.
وتضمن معلومات مفادها أن أكثر من ثلاثة ملايين طفل، ممن تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاماً ـ نصفهم من الفتيات ـ فكروا بالانتحار العام2002، وأن حوالي الثلث منهم حاولوا الانتحار فعلاً وتلقوا علاجاً سريعاً في العيادات الطبية النفسية الرسمية.
سؤال دكتور هل الفقر وحده يودي للانتحار بالنسبة للنساء ؟
حتى الاغنياء ينتحرون في بحثهم عن السعادة، فهذه كريستينا أوناسيس، هي ابنة الملياردير اليوناني أوناسيس صاحب الجزر والأساطيل البحرية والطائرات والمليارات، الذي يعد من أكبر أثرياء العالم.. ولأن كريستينان وريثته الوحيدة فقد ورثت عن أبيها كل ثروته الهائلة، إلا أن ذلك لم يحقق لها السعادة التي تبحث عنها، فقد تزوجت عدداً من المرات، وكان زواجها الأخير من أحد الشيوعين، حيث سئمت حياة الترف والثروة، وذهبت لتعيش مع زوجها في منزل متهالك في أحد أحياء موسكو الفقيرة، إلا أن الفشل لاحقها في هذا الزواج أيضاً، ففارقت زوجها بعد أن أصيبت باكتئاب مزمن وحزن مرضي متصل، ولم تستطع الثروة والمال أن تحقق لها أبسط معاني السعادة الإنسانية، وأقل درجات الرضى والطمأنينة، فقررت الانتحار ووجدت ميتة على أحد السواحل الأرجنتينية، بعدما ابتلعت عدداً كبيراً من الحبوب المنومة، وكان عمرها آنذاك سبعة وثلاثين عاماً فقط وهي لم تجد السعادة في الغنى والفقر.
دكتور كيف ترى هذا التعريف الذي تفضلت به على واقع الانتحار عند النساء في العراق؟
على الرغم من أن حوادث الانتحار ترتفع في أعدادها في كل دول العالم، حيث تشير إحصاءات منظمة الصحة العالمية إلى أن ما يقرب من مليون شخص ينهون حياتهم انتحاراً في كل عام، أو ما يعادل حالة وفاة واحدة في كل 40 ثانية، لكنها في العراق ذات خصوصية، لاسيما ما يتعلق بمحاولات الانتحار المتكررة لفتيات عراقيات، بسبب الطبيعة المحافظة للمجتمع، والتركيبة الاجتماعية والعشائرية، إضافة إلى القيم الدينية، وكلها عوامل من المفترض أن تكون كوابح لعجلة زيادة حالات الانتحار، لكن مع ذلك كله فإن المؤشرات تدل على أن ظاهرة الانتحار في العراق في تزايد من خلال ما تشير اليه الصحافة الاستقصائية ومنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية حيث سجلت 88 حالة انتحار في قضاء سنجار خلال خمسة اشهر وسجل اكثر من 35 انتحار في الديوانية خلال ستة اشهر مقارنة مع تسع حالات انتحار خلال 13 سنة من الحصار الاقتصادي ولم تكن بغداد بعيدة عن هذه الظاهرة فقد سجل فيها 18 حالة انتحار خلال شهرين اما في اقليم كردستان العراق فتتزايد حالات الانتحار لتشمل الاطفال والرجال والنساء والنسبة الاعلى هي انتحار النساء حرقا في العديد من القرى وحتى في مدن الأقليم وهذا ما سجلته منظمات عالمية مشيرة الى خطورة الارقام العالية في الانتحار . فانا مثلا اسبوعيا استقبل فتاة او فتاتين في الردهة انقذن من محاولة انتحار فاشلة اما عن طريق اخذ جرعة كبيرة من الادوية او عن طريق مبيدات الحشرات والقوارض، وبعد العلاج عندما احيلهن الى مركز الاسناد النفسي ارى العائلة تهرب بهن خارج المستشفى لعدم وجود قوانين تجبر المريض الذي لديه محاولة انتحار على خضوعه للإسناد النفسي لوجود ثقافة خاطئة من وصمة الانتحار ووصمة مراجعة الطبيب النفسي .
هل هنالك لديك احصائيات استقصائية عن الانتحار في العراق عبر اطلاعاتك المعرفية ؟
في العراق نفتقد للإحصائيات الدقيقة لعدد الحالات الانتحارية نتيجة التعتيم الاعلامي والضغوطات العائلية والاجتماعية في تغيير صفة الوفاة مثل السقوط من علو او الحرق او التسمم الدوائي او الكيمائي او حادث سيارة او الغرق.لما يترك الانتحار بصمة عار اجتماعية على عائلة المنتحر ولكن من الاحصائيات الغير رسمية من سجلات الصحافة واحصائيات وزارة الداخلية والطب العدلي ازداد الانتحار في عام 2002 من 420 حالة مسجلة الى 870 حالة انتحار مودية الى الموت اما الحالات المسجلة في المستشفيات فهي تشوبها عدم الدقة والاهمال الاحصائي ولكن تسجل اكثر من 2000 حالة محاولة انتحار في بغداد مسجلة في سنوات 2006-2007.
وفي دراسة اخرى في اقليم كردستان ظهر انه ما بين عام 1991 و2006 ونتيجة لاسباب متعددة اقدمت 4159 امرأة على الانتحار،علماً ان الكثير من النساء اللواتي يقدمن على الانتحار وبسبب الخوف والضغوطات لا يفصحن عن اسباب قدومهن على هذه الطريقة ايضا ويتم فقط ادراج اسباب قدومهن على الانتحار تحت مسميات المشاكل الاجتماعية، الاقتصادية، الشرف ، العادات والتقاليد ..الخ.
عام 1991 اقدمت 39 امرأة،1992 اقدمت 79 إمرأة،1993 اقدمت 128 إمراة،1994 اقدمت 113 إمرأة،1995 اقدمت 153 إمرأة،1996 اقدمت 216 إمرأة،1997 اقدمت 158 إمرأة،1998 اقدمت 377 إمرأة،1999 اقدمت 349 إمرأة،2000 اقدمت 202 إمرأة،2001 اقدمت 236 إمرأة،2002 اقدمت 303 إمرأة،2003 اقدمت 325 إمرأة،2004 اقدمت 831 منها فقدت 200 امرأة لحياتها،2005 اقدمت 300 إمرأة،2006 اقدمت 335 إمرأة على الانتحار.
ان ازدياد حالات الانتحار في الاقليات وخصوصا اليزيدية نتيجة كسر الحاجز الثقافي نتيجة الغزو الفكري والفضائيات والاعلام... وخصوصا بعد انتشار المسلسلات التركية المدبلجة وتغير النمط السلوكي لاختراق المجتمع الثقافي وان ابطال المسلسلات التركية اصبح الشغل الشاغل مؤخرا للكثير من متابعي الشاشة الصغيرة، لاسيما من الشباب، متابعة ما سيحدث لأبطال المسلسلات التركية المدبلجة على شاشات الفضائيات العربية، وتحولت شخصيات مثل نور إلى مهند إلى ميرنا وبانه وخليل وعاصي، والعشق الممنوع ودموع الورد وسنوات الضياع ويبقى الحب وتمضي الأيام وغيرها من الأعمال الدرامية ذات جاذبية كبيرة بالنسبة لهم، وهو أمر أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في حالات الانتحار وذلك بسبب العزلة الدينية والاجتماعية وبسبب العادات المناطقية في تقسيم المجتمع الى طبقات ثلاث يمنع التزواج بينها مما يؤدي الى عزلة اخرى فبعد الانفتاح الاعلامي بدأت النساء المهمشات في المطالبة بحقوقهن وقبل اسبوع في مدينة واسط انتحر طفل بعمر 9 سنوات على طريقة تقليد شنق احد الممثلين وفي بابل انتحرت فتاة بعد رسوبها في المدرسة وهنالك حوادث كثيرة ولكن هنالك تكتيم وتعتيم اعلامي ومجتمعي. لو هكذا حادثة حدثت في احدى الدول المتقدمة لاستنفرت كل السب المتاحة لدراستها لانها تعبر جرح نازف في فشل المجتمع في احتواء ابنائه.
هنالك معلومة متداولة ان اغلب اسباب الانتحار هي نفسية ماذا تقول دكتور حسب اطلاعاتك العلمية والمعرفية حول الموضوع ؟
أن أسباب الانتحار يمكننا تقسيمها إلى:
- حوالي 35% من حالات الانتحار ترجع إلى أمراض نفسية وعقلية كالاكتئاب والفصام والإدمان.
- و65% يرجع إلى عوامل متعددة مثل التربية وثقافة المجتمع والمشاكل الأسرية أو العاطفية والفشل الدراسي والآلام والأمراض الجسمية أو تجنب العار أو الإيمان بفكرة أو مبدأ كالقيام بالعمليات الانتحارية.
ما هي برائيك الحلول الناجعة التي نضعها امام المختصين واصحاب القرار لتقليص حالات الانتحار؟
مما لاشك فيه أن الحياة البشرية لا تستمر مع انعدام الأمل .. ولابد من بعث الأمل دائماً في مختلف المجالات وبشتى الطرق .. ولولا الأمل لما سقطت النملة ثمانين مرة في طلب حبة شعير!!!
اليوم هنالك مسؤولية شراكة مجتمعية وحكومية يجب ان تضع الحلول الفعالة لمكافحة الانتحار.
- وضع إستراتيجية وطنية من مجلس الصحة النفسية وعلماء الاجتماع لدراسات الاسباب ووضع الحلول التي بحاجة الى جهود حكومية ومجتمعية تنم عن تغيير المناهج التي تدعوا الى اليأس والقنوط والعنف وايجاد دور حقيقي للباحث الاجتماعي في التعليم الابتدائي ورياض الاطفال للمساهمة في الحلول التربوية الناجحة لايجاد الرصانة والتحصين الفكري لجيل محبط من العنف والحروب، والاهتمام بالشباب واليافعين وايجاد مراكز مجتمعية لتنمية قدراتهم على التكيف مع الحياة.
- اقرار قوانين العدالة الاجتماعية في تحقيق فرص المساواة بغض النظر عن الجنس والعرق والطائفة وتوفير مستلزمات المعيشة الاساسية.
- الحد من فرص الحصول على وسائل الانتحار (مثل المبيدات والأدوية والأسلحة).
- علاج الأشخاص من ذوي الاضطرابات النفسية (خصوصاً من يعانون الاكتئاب والفصام وإدمان الكحول)؛ والاهتمام بالصحة النفسية ونشر ثقافة الاستشارة النفسية والسلوكية والاجتماعية ورفع الوصمة المجتمعية عن المراجعين.
- متابعة الأشخاص الذين سبق لهم القيام بمحاولات انتحار.
- الإبلاغ عن الانتحار بطريقة مسؤولة في وسائل الإعلام.
- تدريب القائمين على الرعاية الصحية الأولية.
-المراقبة لوسائل الاعلام والشبكة العنكبوتية والفضائيات لبثها مسلسلات وبرامج تشجع على الانتحار ومحاولات تطويقها قضائيا واعلاميا.
واخيرا نسعى لعالم خالي من الانتحار ولنعيش بحلم جديد وامل جديد.
المتزوجات الاكثر انتحارا
وتشير دراسات ان النسبة الاعلى من المنتحرات هن من المتزوجات فتقول سعاد ان جارتها تشاجرت مع زوجها فعلا صوتها علية فأصر على طردها الى بيت اهلها رغم انها اعتذرت له مرارا وقبلت قدميه لكي لا يطردها الى بيت ابيها القاسي وعندما وجدت نفسها محاصرة بين زوج قاس واب اكثر منه قساوة دخلت الى غرفتها واحرقت نفسها لتموت تاركة خلفها ثلاث اطفال .
وهناك نوع اخر في ظاهرة الانتحار في العراق هو انتحار الطالبات بسبب عدم الحصول على معدل يؤهلها لدخول الكلية وسجلت في العراق حالات انتحار اطفال اذ يقول د. رافد الخزاعي ان اكثر من 50 طفل انتحر في العراق ومنها الخوف من الاسرة كالرسوب في المدرسة مثلا او منع الفتاة من اكمال مدرستها.
الدكتورة سناء صاحب الخزرجي استاذة علم الاجتماع تقول : لا توجد لدينا إحصاءات علمية من خلال مراكز دراسات متخصصة في دراسة تفاقم ظاهرة الانتحار في العراق فالدولة مشغولة في الصراع السياسي ولا تعي خطورة هذا الملف على البنية الاجتماعية العراقية . واضافت: ان هذه الارقام قد تكون اقل من الحقيقة بكثير فالمجتمع العراقي يرى وصمة عار في عملية الانتحار وخصوصا انتحار المرأة، اذ غالبا ما يربطها المجتمع بشرفها لذا تتجنب العائلة العراقية الافصاح عن الانتحار فتقول انفجرت المدفئة او احترقت بالفرن لكي تخفي قضية الانتحار.
الذكور اكثر ميلا للانتحار
تقول الدكتورة شيماء عبد العزيز اختصاص علم النفس بأن احد طلاب الدراسات العليا في جامعة بغداد اجرى استطلاعا عن استعداد الشاب للانتحار فوجد ان 18% من الشباب يميلون الى الانتحار وان الذكور اكثر ميلا للانتحار من الشابات وهذه النتائج خطيرة جدا يجب التوقف عندها لدراسة الاسباب والحلول.
دوافع انتحار المرأة
ورغم أن معظم اللواتي يقدمن على الانتحار يعشن حالة من العزلة، وموجات من الكآبة، تؤدي إلى قتل النفس فان الوضع في العراق يختلف بعض الشيء، ذلك أن غالبية النساء المنتحرات أو اللواتي يحاولن الانتحار لا يعانين العزلة، فهن دائماً وسط الأهل والأقرباء، ومن المفترض أن يعوق ذلك محاولات الانتحار
لكن الباحث الاجتماعي احمد الريس يقول إن هذه الفكرة صحيحة، لكن رغم هذا كله، فان المرأة العراقية تعاني ضغوطات اجتماعية ونفسية وهي داخل الأسرة، ويضيف: ما يحدث ليس عملية تراكمية من كآبة وأمراض أخرى تؤدي إلى تقدم متدرج في الإيمان بفكرة الانتحار، بل أن ما يحدث للفتاة العراقية هو لحظة انفجار بعد فترة زمنية تتباين من فتاة إلى أخرى، وهذا الانفجار يقود إلى محاولة الانتحار المفاجئ
العنف الاسري من مسببات الانتحار
الدكتورة فائزة باباخان . ناشطة وقانونية تقول : يعتبر العنف الاسري احد مسببات الانتحار بل يكون المحرض على جريمة الانتحار ولكن كل الجرائم ينال المحرض عقوبة قانونية رادعة عليها الا في جريمة الانتحار بل ان قضية انتحار المرأة.
الصفحة الثالثة/ السنة التاسعة/ العدد21 /08 تموز 2012
0 comments:
Post a Comment