استمع العالم اجمع الى الكلمات المضطربة للمستشار فاروق سلطان المكلّف باعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية في مصر يوم 24 حزيران، بينما كان يلّم بكل خلفيات ودواخل ومخالفات صناديق الاقتراح، ويخوض بتفاصيل دقيقة لدرجة انها صعبة التصديق، وكأنه يحاول بها اثبات نزاهة من ليست له سابقة في النزاهة؛ مدركا ان وطأة كلماته قد تقود الى ما لا يقل عن حرب شعبية، حرب تبدأ من ساحة التحرير مما جعلهم ينشرون الآلاف من قوات الأمن والجيش بل وحتى الطائرات الحربية حول مبنى وزارة الداخلية، وكذلك مبنى وزارة المالية تحسبا من فوضى تتسبب باجتياح لها.
ينظر البعض الى هذه الانتخابات وكأنها النتيجة المرتجاة من ثورة ساحة التحرير، ولذا يُصابون بخيبة أمل واحباط سياسي عندما يرون ان الشوط الاخير منها لم يكن بين مرشحي ثوار ساحة التحرير، بل هي مابين القوى المضادة للثورة، سواء ممثل النظام القديم-مرشح العسكر احمد شفيق، ومرشح جماعة الاخوان المسلمين الذين امتطوا موجة الثورة بعد ان خانوها مرارا وتكرارا، ليقطفوا ثمار المعارك التي خاضها الثوار من الذين قاتلوا وقتلوا من اجل حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وبالرغم من الضربة الاستباقية للمجلس الاعلى للقوات المسلحة والتي حُل البرلمان بمقتضاها – والذي كان باكثرية من جماعة الاخوان المسلمين- وكذلك الحد من صلاحيات رئيس الجمهورية؛ الا ان النتيجة اتت وفق سوأ التوقعات، وأُعلن محمد مرسي اول رئيس اسلامي لجمهورية مصر العربية. وقد يكون المجلس الاعلى للقوات المسلحة قد قرر التلاعب بنتائج الانتخابات في الساعات الاخيرة لكي يتجنب الصدام مع الآلاف من عناصر الاخوان المسلمين المنتشرين في ساحة التحرير والمهددين ببدء حرب في حال عدم اعطائها لمرشحهم.
وبذا استلمت مئات الملايين من الجماهير في العالم العربي والشرق اوسطي الخبر الكارثي لنمو عقدة سرطانية جديدة في اكبر بلد عربي، بعد ان ظهرت العقد السرطانية السابقة في تونس وليبيا ما بعد الثورات. وتظل السابقة الأولى لوصول الاسلاميين عن طريق تغيير سياسي في ايران بعد ان حلت كارثة الجمهورية الاسلامية قبل عقود والتي اتت ايضا من خلال اختطاف الثورة من اصحابها التحرريين والعمال. ودأبت هذه الجمهورية على تسميم بلدان كثيرة محيطة بها وبشكل طائفي منها العراق ولبنان والان تستقتل في الدفاع عن نظام الاسد البعثي العلوي في سوريا. وطبعا ان القطب الثاني للتسمم الاسلامي والطائفي يكمن في المملكة العربية السعودية صاحبة أسوأ نظام اقتصادي واجتماعي ومنافٍ لحقوق الانسان في العالم اجمع. اذ ان الطبقة الحاكمة ترى نفسها ممثلا مباشراللآلهة، وتستعمل تسميات (خادم الحرمين الشريفين) وتفرض من خلال ذلك وصاية على كل من اعتنق الدين الاسلامي.
في مشهد مثقل بالجمهوريات والمملكات والثورات الاسلامية؛ لم يكن العالم العربي المثقل بتلك الجراح والعقد السرطانية في حاجة لخبر من قبيل وصول مرسي الى سدة الرئاسة. تظل المواساة الوحيدة كون العسكر قد هيئوا من الوثائق الدستورية المؤامراتية مما لم يترك للاخوان المسلمين المجال لكثير من التحرك.
بعد ان اصيبت ادارة البيت الابيض بالهلع من الثورة المصرية لخسارتها اكبر حليف في المنطقة، لم يتناسى المرشح الاسلامي ان يطمئنها بالوعود خلال حملته الانتخابية، بانه سيكون وفيا في الحفاظ على نظام رأسمالي تابع في خلال فترة رئاسته المقبلة مما سيستمر باثقال البلد بديون قادمة مما يستحيل تسديده في المستقبل القريب. ولم يكترث ان يقدم التفسيرات المقنعة للمواطن المصري الجائع بكيفية توفير الطعام والسكن والخدمات له في نظام يعتاش على الديون الخارجية المحمّلة بفوائد مخيفة. كان جل اهتمام الاخوان المسلمين وبعد ما يقرب من قرنٍ على نشائتهم ان يتشاركوا مع النخبة السياسية المسيطرة في نهب موارد المجتمع وثرواته والابقاء على نظام اقتصادي يزيد العامل فقرا ويتخم البرجوازي ويمنحه بعضا من السلطات السياسية وخاصة اذا كان اسلاميا يصفق لمرشح الاخوان محمد مرسي ويدعمه.
وكما هي العادة في مرشحي التىجوازيين، يتقول كلاما مثاليا هو اقرب الى الكذب بانه رئيس لكل المصريين وانه لديه نائبا من الاقباط وامرأة ضمن كابينته. ولا يتفوه بكلمة حول انهاء حالة اللامساواة وتحقيق الحريات والتي من اجلها اشتعلت الثورة من ساحة التحرير. كما وانه قبل بكل شروط المجلس العسكري ولا يزال منقادا لهم وبالرغم من كونهم ممثلي النظام السابق. اما من ناحية الحريات العامة وبالذات حرية المرأة، لعل اكبر انجاز للاخوان في مرحلة ما بعد الثورة هو انهم جعلوا الحد الادنى لعمر زواج الانثى 14 عاما، واضفوا بذلك الشرعية الاسلامية على اغتصاب الطفلات من قبل الرجال، وهو هوس يمتاز به السلفيون والمتطرفون في وحشيتهم والتي تحتاج الى غطاء ديني لابقاء هؤلاء المجرمين احرار طليقين في المجتمع. هو هذا رئيس كل المصريين المستغلين للمرأة، المستغلين للطفولة، والمستغلين للطبقة العاملة على حساب اغناء برجوازيتهم.
والأنكى من كل ذلك هو ان بعضا من اليسار المصري من الاشتراكيين والشيوعيين اعتقدوا انهم بتصويتهم لمرسي يقتصّون من رموز النظام السابق، متناسين مدى الاجرام الذي يأتي به الاسلاميون مما يدمّر حياة اجيال قادمة من الأناث والشباب والاغلبية العاملة والمعطلة عن العمل، ممن سيفرض عليهم الجوع وانعدام السكن والحقوق الاقتصادية.
ان غسيل الأدمغة الذي قامت به الحكومات المتعاقبة منذ زمن محمد نجيب، والسادات، وناصر، ومبارك ولغاية الآن والذي حرص على بناء صرح للمقدسات اولها الدين وثانيها الجيش، كان العدو الأكبر للجماهير الثائرة في ساحة التحرير، والتي لم تتوقع ان يتظافر هذان العدوّان، ويمسك احدهما بيد الآخر لكي يضبط الخناق حول ساحة التحرير، ويسعى عاى الابقاء على كل ما كرسّه النظام السابق من لامساواة اقتصادية واجتماعية واستبداد. والفرق الوحيد هنا، ان الجماهير ستخسر المزيد من الحريات العامة وأولها حرية المرأة والشباب والاطفال.
تعازينا الحارة لجماهير مصر ونساء مصر التحرريات. لدينا أمل كبير بان تكون هذه الصفعة خافزاً لشوط جديد من الثورة، ولكن هذه المرة دون الانخداع باي من المقدسات التي فرضتها عليكم الحقبة السابقة.
نعم لحرية الانسان ومساواته.
عاشت الثورة المصرية.
ينار محمد
7-7-2012
الصفحة الخامسة/ السنة التاسعة/ العدد21 /08 تموز 2012
0 comments:
Post a Comment