جميع الحقوق محفوظة لصالح جريدة المساواة الرجاء ذكر المصدر عند اعادة النشر او الاقتباس

All rights reserved for Al Mousawat Journal Please mention the source when you republish or quote




Wednesday, October 10, 2012

أسرار جنسيّة : (وسواس جنسي)



د. لمى محمد
 
الانتقام غير المبرمج سمة عربيّة...

تابعت هند حديثها بهدوء شديد متجاهلة علامات الاستفهام المتراكمة فوق وجهي .. و بحيادية فظيعة ، كما لو أنها تحكي لي قصة بنت الجيران ، و كأن الحديث كله لا يمت لها بصلة :
كانت أمي نظيفة جدا ، تردد دوما أنها تخاف العدوى و الجراثيم ..كانت تغسل يديها في اليوم الواحد عشرات المرات ، و تعقمهما بالكحول الطبي، تنظف البيت بطريقة جنونية عدة مرات يوميا ...الله يرحمها ماتت بين أكوام المنظفات و الصوابين...
عندما قرأت مقالة عن الوسواس القهري ، أحسست بها تتحدث عن أمي ، لم أكن أعلم أنني بعد الزواج سأصبح مثلها ، لكن بطريقة أخرى !! ربما هو مرض وراثي أليس كذلك ؟! و دون أن تنتظر جواب ، تابعت "هند" :
لم أعد أمارس الجنس مع زوجي ...أخاف من تلك الفكرة الملحة المعاودة بأنني..بأنني.. –لا تضحكي أرجوك –
بأنني قد أقص له قضيبه ...- لن أنظر إلى وجهك الآن يا دكتورة ...-

وكم حمدت الله على أن " هند " لم تنظر لوجهي فعلا ، لأن علامات الاستفهام على وجهي تلونت كلها بظل ابتسامة حمراء!!

لست منحرفة ، و أقسم أني أحبه لكن فكرة قص قضيبه كي أنتقم للنساء (المختونات) في كل بلاد العالم تجعل حياتي جحيما .. أعرف أن الفكرة سخيفة ، و أنني أنا من أوجدها ، ولا يمكن أن أفعلها ، لكنها تلح في رأسي بشكل وسواسي ، و ترغمني دوما على وضع الحجج و المبررات ،كي لا أقترب من زوجي ...
ساءت علاقتنا كثيرا مؤخرا ،بدأت أشغل نفسي بتمتمة الصلوات كلها التي أعرفها ، لكي أهرب من تلك الفكرة الإجرامية ، لكن عبثا ...تلاحقني تلك الفكرة و تخنقني ...
أتذكر أمي و كيف كان وسواس النظافة يقض حياتها ، كله وسواس أليس كذلك يا دكتورة ؟!
هززت رأسي ، وقبل أن أجيب تابعت "هند" :
زوجي "سعد " طيب جدا ، كنا زملاء في كلية الفنون الجميلة،لكنه متصالح مع الدنيا أكثر مني ، عاديتها أنا منذ الأزل ، و تحديتها أيضا ، أتعلمين عندما رسمت لوحتي الأولى كان التحدي الأول ...و مع توالي اللوحات كدت أرجم!!
أرسم عن مشاكل المرأة العربية ، لوحتي الأولى كانت عن "ختان الإناث" أسميتها:- الموت كل يوم - (قومت الدنيا و لم تقعدها) ...
اكتشفت بعدها أن العرب لا يستخدمون عقولهم ، فليس من المحبب لديهم قضاء ساعات في القراءة ...
أما الرسم فقصته أسهل نظرة واحدة على لوحة لختان الإناث ستوقظ الشرف العربي الذي بعثرته فنانة تافهة ، و ستعرضها لمحاكم تفتيش تكفل لها عدم النطق مجددا بكروية الأرض ، هذا ناهيك عن نظرية المؤامرة التي تدفع كل ذي بدعة لإطلاق فنه ...
من قال : قانون من أين لك هذا غير موجود في البلاد العربية ، بلى يا سيدتي هو موجود و بشدة .. لكنه لا يحاكم سارقي الأموال ، بل أصحاب العقول : من أين لكم هذه الأفكار يا ذيول الاستعمار ، من يدعمكم يا زنادقة ، كيف تجرأتم يا أعداء الأمة و العروبة ...
إن قانون : من أين لكم هذا يا سيدتي لا يطبق إلا على من يكون وقود أفكارهم مخيف، و مدمر...
أحمد الله على أن الفن التشكيلي غير مفهوم من قبل غالبية العرب ، نحتاج أدب تشكيلي و إعلام تشكيلي !!(و نريح راسنا)...
صمتت "هند " للمرة الأولى منذ دخولها عيادتي ، ثم ضحكت و قالت :
ثرثارة أنا أليس كذلك ؟! لكن بالمناسبة أنا أتيت هنا أشكو لك كل همومي ، و ليس مرضي النفسي و حسب...
ثم أخرجت كتابا من حقيبتها و قرأت بصوت عال :
(الوسواس القهري: كما يدل اسمه هو عبارة عن -وساوس- أفكار أو صور أو أفعال معاودة ،و مع كون المريض يعلم أنه مصدر هذه الوساوس و أنها سخيفة و غير ممكنة التحقق فإنها تسبب له القلق و العذاب و تجبره -تقهره - على ممارسة تصرفات متكررة كمحاولة لإنقاص هذا القلق)...
هذا هو مرضي أليس كذلك يا دكتورة ؟!

قلت لنفسي ضاحكة : ليت زواري كلهم مثلك يا فنانة محاكم التفتيش!!

يتبع...

الصفحة الأخيرة/ السنة التاسعة/ العدد22 /20 اكتوبر 2012

0 comments:

Post a Comment