حوار مع الناشطة (ينار محمد)
ينار محمد هي واحدة من أبرز الناشطات النسويات، حاورها مُصعب يونس [1] نائب رئيس تحرير نشرة (وقف إطلاق النار Ceasefire Magazine) الإلكترونية الفصلية عن "الربيع العربي" وانسحاب القوات الأمريكية من العراق والآفاق للديمقراطية والمساواة في بلدها.
------------------------------------
مصعب يونس: شاهدنا مؤخرا المظاهرات النسوية في مصر احتجاجا على المعاملة الوحشية التي لاقينها. ما هو تقييمكِ للربيع العربي من حيث تأثيره على حقوق المرأة، على وجه التحديد في كل من مصر، وتونس، والبحرين، والعراق؟
ينار محمد: أولاً أود أن أشير إلى كون المرأة قد أثبتت نفسها عنصرا مهما من عناصر التغيير في زمن، الثورات في العالم العربي، "الربيع العربي". وكشفت مشاركتها في ساحة النضال السياسي عن وحشية ومقدار احتقار المرأة المتمثل من قبل مؤسسات الشرطة في الدول العربية، حيث يكون الاستبداد ومحاولة فرض الهيمنة الذكورية وجهان لعملة واحدة وكلاهما تسعى الإطباق والسيطرة على الوضع الراهن. وبينما نتكلم عن مشاركة المرأة في النضال، ينبغي إلا نتوقع نتائج فورية لا شك فيها. أعتقد أنه من السابق لأوانه التحدث عن دور وتأثير "الربيع العربي" في المنطقة على حقوق المرأة. من الممكن تحرر المراة مع تقدم المجتمع على مسار تحقيق حقوق الانسان وحقوق المدنية فيه، وان هذه العملية بدأت لتوها في الشرق الأوسط. لستُ من المؤيدين لوجهة النظر التي تقول أن المرأة هي أكبر الخاسرين في "الربيع العربي". إذ لا يمكن أبدا للديكتاتورية والطغيان التغذي في مجتمعات مُحبة للحرية. أننا يجب أن نفكر بكيفية كسر قمة الجبل الجليدي، التي تتمثل بالإطاحة برئيس او رمز النظام أولاً، ومن ثم تعزيز أدواتنا لتنظيم الكفاح، والاستمرار في التأكيد على الاجندة اﻻجتماعية القائمة على المساواة وتحقيق الحرية. عندئذ فقط سنكون خصما ذا مصداقية وقيمة للأنظمة الحاكمة المستبدة في الشرق الأوسط، وقد تكون هناك فرصة في إفساح الطريق لتأسيس أجندة مساواة المرأة. على الرغم من أن منظمتنا (حرية المرأة) لها مطالبها الفورية لتحقيق المساواة الكاملة للمرأة، كما واننا لا نوافق على نيل دور أدنى في الساحة السياسية والتنظيمية، الا اننا نعلم أن الثورات يمكن أن تتحول الى فوضى بما في ذلك مراحل عديدة من عملية التقدم نحو مرحلة حصد النتائج النهائية لها. صحيح أن اليمين الإسلامي كان جاهزا ليوم مثل هذا بعد ان صرف عقودا على بناء وترسيخ أحزابه السياسية، غير انها ملئت الفراغ السياسي الذي خلقته الثورة بشكل انتقالي وغير دائم. والآن وبعد أن تلقت التجماعات المنتفضة دروسها حول أهمية الأحزاب السياسية، حان الوقت لتعبئة وتنظيم وتشكيل الورثة السياسيين الحقيقيين لعهد جديد من الثورة، حيث تلتف الاهداف والمبادئ حول الحرية والمساواة – بما يعيد للاذهان مقاطع من الثورة الفرنسية.
مصعب يونس: في مقابلة لكِ أجريت مؤخرا، ذكرت فيها بأن العراق قد "تحول إلى مجتمع يتكون من 99 % من الفقراء و1 % من الأغنياء." عل ان حركة احتلال وول سترريت واحتلال العواصم الاخرى والتي اصبحت عالمية لها اية اصداء في العراق؟
ينار محمد: ان جوهر المظاهرات الأولى في العراق التي حدثت بساحة التحرير في شباط/ فبراير 2011 كانت نتيجة الفجوة الهائلة الحاصلة في المستوى بين الطبقة الحاكمة التي تستوطن (المنطقة الخضراء) والمواطن الذي يُجهَد ليضع وجبة طعام على مائدته؛ حيث كانت شعارات المظاهرات الرئيسية تتعلق بالـ: الوظائف والخدمات ومكافحة الفساد ونيل الحريات العمومية. لكن الشعار الذي طغى على البقية لاحقاً هو (الفساد) لأنه لا يمكن أن يتقبل الشعب البون الشاسع ما بين مستوى حياته وحياة موظف برلماني يأخذ راتب ومخصصات تساوي 30 مرة بقدر الراتب الإسمي للموظف الحكومي العادي. وفي نفس الوقت، تواجه الجماهير العاملة بالتسريح (الإقالة من العمل) وقطاهات حكومية باكملها مبرمجة للخصخصة مما سيخلق جيشا من العاطلين عن العمل، بالاضافة الى ذلك الموجود حاليا. وفي حين ان الأرامل بالكاد يمكنهن الحصول على راتب الضمان الاجتماعي الشهري البالغ 120 دولاراً، لا يدري احد ما الذي حصل للأربعين مليار دولار المفقودة من الميزانية الحكومية عام 2010 دون ان تترك أثرا ودون امكانية مساءلة من هم فوق مستوى السؤال والمحاسبة، اي فوق القانون.
وهناك أوجه شبه أخرى. حيث ان الـ 1% من العراقيين (الاكثرية من هذه النسبة) يسكنون المنطقة الخضراء، تم تدريبهم بمهارة من قبل المدربين الأمريكيين حول الاجوبة التي يقومون من خلالها اسكات الـ 99 % العراقيين الذين هم من الطبقة العاملة ومن العاطلين عن العمل. وكما ان وجه التشابه الآخر يكمن في الجسد الحكومي الضخم- الهيئات الحكومية الكبيرة التي أُنشأت لاستيعاب جميع الجماعات والميليشيات العرقية-الطائفية والتي تستهلك حاليا 30% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي - اي اموال الشعب، بينما يقضي أعضائها معظم وقتهم في منتجعات أوروبية.
وأخيراً، كانت الدروس المستقاة من تدريب الـ 1% الامريكية قد تلخصت بـ: إنشاء قوة شرطة ضخمة وعشرات من مؤسسات الأمن والمخابرات السرية من شرطة مكافحة الشغب وجيشا ضخمة تم تجنيد فيه قرابة مليون رجل عراقي تحت إشراف رئيس الوزراء. وفوق هذا كله، يقف هذا النظام الأمني العملاق عاجزاً للتصدي ومواجهة الهجمات الإرهابية الـ16 في (الخميس الدامي) المصادف 22 كانون الأول/ديسمبر2011 مما يعني انه عديم الفائدة.
في إشارة إلى اسم (احتلال وول ستريت - Occupy Wall Street)، أذكر أحد الأيام في أكبر المظاهرات العراقية التي حدثت بيوم 25 فبراير 2011 (يوم الغضب) في ساحة التحرير في بغداد حين حاولنا دفع الألواح الكونكريتية التي تفصل بين ساحة التحرير والمنطقة الخضراء (عبر جسر الجمهورية) للعبور إلى المنطقة الخضراء، وأخيرا نحو احتلال ما هو حق لنا. ولكن الـ (سي أن أن – CNN) لم تهتم بإظهار هذا التحرك إلى بقية العالم؛ ويبدو انهم كانوا يعتقدون ان الديمقراطية متحققة في العراق وكذلك رافضين لفكرة ان الجماهير تريد نظاما يحترم انسانيتها وحقوقها. كما وأذكر أيضا مما له علاقة بموضوع احتلال وول ستريت، اننا عندما كنا نراقب الأحداث التي وقعت في ميدان التحرير في مصر. حينها كتبت بيانا بأن هذه الانتفاضة تحتاج إلى احتلال القصر الرئاسي وتحقيق التغيير وليس التمسك بالشكل السلبي للمظاهرات السلمية.
لقد أحرزت حركة احتلال وول ستريت((OWS قفزة في تحديد الطابع الطبقي للحركة بترسم الهدف كونه مواجهة أصحاب رأس المال في الولايات المتحدة، مما نال صدى مباشر وفوري في اكبر عواصم العالم الصناعي، وبالتالي تعريف الحركة باصحابها اي الطبقة العاملة العالمية.
مصعب يونس: ان "الربيع العربي" جوبه بالقمع في العراق، مثلما حدث في أماكن أخرى، عن طريق أساليب حديثة للسيطرة على الحشود. وكان هناك مؤخرا بعض الجدل حول النقل البحري لكميات من للغاز المسيل للدموع من الولايات المتحدة إلى مصر. وكذلك ازدياد تدريب الشرطة وتجهزيها بمعدات خاصة بقمع المتظاهرين كان مصدرها البلدان الغربية. وفي ضوء هذا، ما رأيك بموقف نشطاء أوروبا والولايات المتحدة ودورهم في مساعدة من يرغبون في ممارسة حقهم في الاحتجاج في العراق؟
ينار محمد: كان أكبر عامل في قمع المظاهرات العراقية هو احتجاز آلاف المنظمين، تعريضهم للتعذيب الجسدي، والإبقاء عليهم لعدة شهور تحت المراقبة. وقد وقفت المنظمات العالمية من حماة حقوق الانسان معنا في المطالبة باخراجهم من السجون. وقد اعتقل الكثير من زملائنا مرارا وتكرارا الا انهم ظلوا يعودون إلى ساحة التحرير، ولكن اتى الوقت الذي لم تعد فيه تستطيع فيه عوائلهم ان يتحملوا صعوبة ذلك الوضع بعد. وكذلك مداهمة العديد من مقرات المنظمات التي تجمع فيها منظّموا التظاهرات، واحتجاز النشطاء واعتقالهم من هناك. حيث تم اقتحام مكتبنا في وسط بغداد مرتين. وبقي تحت حصار الجيش أحد المرات ليوم كامل إذ قام بإغلاق الشارع أمامنا لكوننا اعلنا اننا سنفضح التجاوزات الحاصلة ضدنا في ساحة التحرير. وهذا يبعث على السخرية والاستياء في آن واحد؛ اذ اننا منظمة نسوية واحد أسس عملنا يكمن في تمكين المرأة المسحوقة والمهمشة وتوفير مأوى لها وكذلك سبل العيش السليم. ومن الجدير بالذكر بان اثنتين من فريقنا في حرية المرأة من اللواتي كن وما يزلن يقمن في المأوى التابع لنا تبوئنّ مواقع قيادية في ميدان التحرير في العراق، كما وقمن يفتحن مواقع التواصل الاجتماعي للمجاميع الشبابية التي لم يكن لها قدرة العمل على الكومبيوتر –وهم اكثرية المتظاهرين. أن المظاهرات أتاحت فرصة كبيرة لبعض الشابات للتحول من حالة كونها مجرد ضحية اتجار او عنف منزلي / عشائري إلى كونها قيادية لآلاف من المتظاهرين الذين رأوا فيهن رموزا للنضال. وهذا ما عزز واحدا من أهم شعارات ساحة التحرير لدينا وهو ان: "ليس للمرأة ما تفقده سوى عبوديتها". استخدمت الحكومة تقنية جديدة ضد نساء منظمتنا حيث خصصت مجموعة من البلطجية / الشقاوات (بالتسمية المحلية) الذين يرتدون ملابس مدنية أحاطوا بنا وقاموا بإرهاب الناشطات النسويات بضربهم والتحرش بهن جسديا، ومحاولة خلع ملابسهن. ان نظام الأمن التابع للحكومة الحق بنفسه العار بقيامه بالتحرش الجنسي بالنساء الناشطات في (حرية المرأة) لمحاولة منعهن من العودة إلى ساحة التحرير مجددا. أننا نكتب بياناتنا وننشرها في العراق والولايات المتحدة، ولكن وسائل الإعلام الأميركية مهتمة فقط بمعالجة المسائل الخاصة بأولئك الذين يمسكون بزمام السلطة السياسية في العراق. أنها ليست مهتمة في "الربيع العراقي". ومن وجهة نظرهم، ان الديمقراطية تحققت فعلا في العراق ولكن هؤلاء المتظاهرون لا يكنون (الشكر) لمن يدعون انهم جلبوا التحرير للعراق.
مصعب يونس: تسع سنوات من الاحتلال قد جزأت العراق. في رأيك، هل المجتمع العراقي الآن سيعود مجتمعا موحدا معا، أو انه ما زال مقسما؟
ينارمحمد: اعتقد بان المجتمع ككل أصبح واعيا حول اصحاب مشروع زرع الطائفية بين صفوفه ومن هم المستفيدين منه والذين يقفون وراء ذلك. ما شهدناه في ساحة التحرير، بالذات من قبيل عدم قيام اي احد بالتعريف عن نفسه باسم الدين أو الطائفة. لكن الوحيدين الذين قاموا بهكذا ممارسات قد كانوا عددا قليلا من رجال الدين الذين جاءوا مرات عديدة وحاولوا القيام بصلاة الجمعة، لكنهم نالوا حرجا كبيرا عندما لم يتبعهم الكثير من المتواجدين هناك، ففضلوا عدم تكرار هذه الزيارات. وكان التغيير الكبير يتمثل عندما أصدر السيستاني بيانا ضد المظاهرات - ووصفه لها بانها (مشبوهة) – لكن هذا البيان لم يؤخذ بعين اعتبار من قبل الـ 75 ألف شخص الذين شاركوا في المظاهرات التي حدثت في جميع المدن العراقية يوم 25 شباط / فبراير 2011. كما أن اقتراح مقتدى الصدر بإجراء استفتاء بعد 6 أشهر حول ما إذا كان سينضم إلى "الربيع العربي" لم يحصل على اهتمام من قبل عشرات الآلاف من الشباب الذين ساروا الى المظاهرة من المناطق الاسيرة تحت سيطرة ميليشياتهم. ان هاتين الحقيقتين قد أعلنتا بداية عهد جديد في العراق، "الربيع العراقي" الذي يبدو للبعض: وكأنه بمثابة اعلان عن انتهاء سيطرة الشخصيات الاسلامية التي فقدت زمام الامور وارتخت قبضتها وسيطرتها على الساحة السياسية. ولم يكن سواد المتظاهرين متعاطفين مع أي رمز من رموز النظام البعثي السابق، أو الرموز القومية العربية-الفاشية. وكنا قد كررنا عدة مرات في ساحة التحرير، اننا نحن اعضاء حكومة الظل والممثلون الحقيقيون للجماهير. وبالنتيجة قامت الاجراءات التعسفية في قمع المتظاهرين وارجاعهم الى بيوتهم، وخاصة بعد اعتقال وتعذيب العشرات من قادة التظاهرة في سجن مطار المثنى المشؤوم. انتظرنا ايام واسابيع عديدة للافراج عن زملائنا ونحن تحت المراقبة القصوى لمؤسسات امنية لحكومة اطلقت على نفسها اسم الـ"الديمقراطية". هذه الحكومة العرقية والطائفية اثبتت بانها لا تمثل الجماهير باي شكل من الاشكال، وخاصة بعد ان قامت بتصعيد العنف والقتل الموّجه بالضد من المواطنين ومما قتل ما يزيد عن المئة شخص في ايام قليلة بعد انسحاب جيش الاحتلال؛ وكل ذلك لغرض اثبات ثقلهم العسكري وقدرتهم على البطش مما قد يجلب لهم حصصا اكبر في المعادلة السياسية. ولذا فان التحدي كبير امامنا للاتيان ببديل الجماهير الذي يجب ان يجد اسسه للتنظيم والتعبئة لغرض التخلص من الانقسامات التي خطط لها وغذاها الاحتلال.
مصعب يونس: شكرا لك لموافقتك على التكلم معنا.
------------------------------------------
1) مصعب يونس: نائب رئيس تحرير نشرة (وقف إطلاق النار) الإلكترونية الفصلية وطالب دراسات عليا في كلية واديم / أكسفورد، وهو يكتب اطروحة حول الوحدة الإفريقية. وقد نشر له في : (n+1, the Oxonian Review, REDO Pakistan) .
1) مصعب يونس: نائب رئيس تحرير نشرة (وقف إطلاق النار) الإلكترونية الفصلية وطالب دراسات عليا في كلية واديم / أكسفورد، وهو يكتب اطروحة حول الوحدة الإفريقية. وقد نشر له في : (n+1, the Oxonian Review, REDO Pakistan) .
الصفحة الخامسة/ السنة التاسعة/ العدد20 /08 آذار 2012
0 comments:
Post a Comment