كاريكاتير للفنان الايراني: حميد بهرامي
نزيه كوثراني
"الحق اقول لكم : كنت جبانا الى درجة لا اغفرها لنفسي وإذا اردت ان اشعر بالعزاء والأمل، فلا بد ان اطلب منكم شيئا واحدا : لا تكونوا مثلما كنت، اقهروا الخوف في داخلكم، وإذا استطعتم اكثر من ذلك فاقتلوه". عبد الرحمن منيف
انا مثلكم عانيت طويلا وتألمت من قسوة مشاعر الذنب )الهداية) المتأصلة في اعماقي٬ حيث كان النقد الذاتي يفعل فعلته الوقحة٬ وهو ينهرني بأبشع النعوت ويتوعدني بالعذاب والسخط، كما يتهمني بالاستسلام لإغراءات الشيطان٬ وكثيرا ما كنت اسمع صوتا في داخلي يؤنبني على عدم تقبل ما نص عليه الشرع بصريح اللفظ والمعنى٬ وما نسخه الكتاب غير المتلو في صحيح السنة الالهية المصدر فيما يشبه وحي القران٬ كما صنعته الة الحديث قصد السطو على الارض باسم السماء . آه.. لقد تحكموا في اعماقي وصرت لهم. حتى الفكرة البسيطة التي تبدأ تشكلها البسيط في صورة نوايا لم تعد لي، وهذا ما كان يحرمني من حرية التفكير والتساؤل، اما الشك فلم يكن له متسع في القلب لان العقل اعرفه بالنص انه ناقص.
باستماعي اليهم منذ ولادتي امتلكوني من الداخل فصرت مسكونة بهذا الجنون الذكوري. الم يقل سقراط في وجه خصومه : " باستماعي اليهم كدت انسى نفسي." ولذلك رفع شعاره العظيم " اعرف نفسك بنفسك". كم كنت قاسية على نفسي في اللوم والعقاب وجلد الذات البئيسة المنحطة كمرتع للشر والسوء ووكر للسحر والشياطين دون ان ادرك خطورة الاستلاب الذي جعل مني اداة ودمية وفراشا لعبور الليل في عش البغاء الزوجي . لكن اصراري في البحث والمعرفة والتساؤل حررني من سيف الرقيب الذاتي الذي تأصل في قلبي بفعل اجتياف رهيب لنمط من التنشئة الثقافية والمجتمعية النفاقية الى ابعد الحدود بين تقديسي في صورة الام، وتدنيسي في صورة الافعى بذرة الشيطان . كم انا مدينة لمن وضع كارثة تعدد الزوجات في طريقي. كان ذلك بمثابة المنقذ من الضلال الذي تراكم طبقات عبر القرون فيما يشبه تكون الارض. كنت مثلكن ومثلكم اتعذب بقلق التيه و الردة والكفر، وأنا اعانق السؤال و اغرق في المصادر العربية الاسلامية وبحوث كشف المستور في التشكل البشري الموسوم بمقدس الحديث المشبع بقيم الطاعة والخنوع الكسروية، حيث ينتصب ابونا اردشير ليسند ملوك الدنيا في التجريم السياسي وملوك الاخرة في التحريم الديني . وكيف لامرأة مثلي ان تتماسك في زحمة المحرقة، وهي تجد نفسها امام موقف لا يقبل التردد او التراجع. ان احمل بحزن نبيل كل هذا الارث الثقيل من ظلام الليل والجهل المنعكس على حجابي، اي نقابي/ حلكة وقهرا ونفيا لكياني الوجودي، واقذف به وسط الحرائق المشتعلة في بيتي…
اعرف ان الكثير منكم كان يتصيد تلك الخطوة مني ليخلص نفسه من عدوانيته التي تغلي في مرجل نفسه العميقة، و يسرع من خلال الرجم الى افراغ حقد التشفي الذي تصعد من نيرانه عدوانية ذنب الاضطهاد الملغوم ببطش القهر والظلم والعنف، وهو يصرخ بهستيريا : انها مذنبة كافرة وتستحق الرجم . اليس اكثركم بطشا وتصلبا وانغلاقا ، اكثركم قهرا وعذابا وفقدانا للقيمة والكرامة الانسانية، ولهذا حاولت نزع اللغم بالتي هي احسن، لأنكم مجرد ضحايا مثلي فانا احبكم ولا احقد عليكم بسبب كل هذه القرون العجاف التي التهمها هوس التفكير في الشرف الرفيع المندس في الحيض والنفاس. "ما اوسخنا ونكابر ". لكم ان تتخيلوا الزوجة الثانية التي سطا عليها زوجي : فتاة في مقتبل العمر لم تتجاوز عقدها الثاني. انها صديقة طفلتي الهام وابنة ابي حمزة جارنا العامل في معمل زوجي . خيالكم لن يبخل عليكم بنسج خيوط اللعبة، فيما يشبه الصفقة بين رجل غني وآخر فقير، وذلك اتماما لمكارم الاخلاق . الهام اصيبت بالصدمة المباغتة، وصارت لا تقوى على الكلام . تسبقها دموعها في النظرة والتعبير لكن الاخطر هو انها حولت جسدها ساحة لالتقاء الامراض، مما دفعها الى الغرق في يم الاكتئاب المسربل بالغضب والحقد. اما طفلاي فلم اعد اعرف كيف تغيرا بهذه السرعة المفاجئة، وكأنهما زهرتان اخذتا في الذبول بعد ان دوت الحيوية والحياة في اعماقهما . اما هاجر الزوجة الثانية فكانت تتحرك كالشبح في البيت تخيف نفسها اكثر مما تخيفنا، كانت محطمة فاقدة لكيانها الانساني بالتمام والكمال، وكانت صلواتها تغرقها في عوالم مجهولة لا تدركها فرحة ذئاب الزوج التي تعوي بسعار همجي وهي تنهش لحم الطريدة الطرية العود التي ارغمت على ان تغادر طفولتها لتصير زوجة لرجل في الخمسين . الله وحده يعلم اين دفنت هاجر احلامها، وهي تمزق دفتر ذكرياتها الصغيرة وعواطفها الاولية، وتلك المشاعر التي تجعلنا نقبل على الحياة بفرح رغم كل الصعاب والعقبات، كما تشحننا بالأمل في ان يكون الغد احسن من اليوم، وتقوي ايضا ثقتنا بأنفسنا و بالآخرين .
ليس من اخلاقي ان انشر غسيلي القذر امام الناس، ولا اريد ان اثير عواطفكم لأكسب بعض الود و التضامن والتأييد، فبقدر ما اكره الظلم اكره ايضا الشفقة والعواطف الكاذبة، لأنني واثقة من ان قصتي لم تبدأ معي بل سبقتني حتى في الوجود، منذ ان اعتبر الذكور ما يحدث جزء من قوانين الحياة، وان دونية النساء ونقصهن
وتشييئهن هو من طبيعة الامور، كالقدر الذي لامفر منه. والأكثر من ذلك ان تكون الجريمة ممهورة بالتقديس لما يحدث في الارض على انه مكتوب في السماء.
كدت في البداية ان انسحب نحو داخل الداخل في جوفي المهشم٬ لكن حجم الجريمة وعمقها واتساعها ٬ نحو اطفالي وهاجر حبة العين وروح القلب٬ جعلني اتجاوز لعنة الكفر الكاذبة التي كانت كالسيف على الرقبة. و ايضا تنتصب في اعماقي من خوف التفكير والسؤال في صنيعة المقدس التي لا يمكن ان تكون الهية بأي وجه كان٬ فقلت في نفسي بعناد وتحد : « من العار بعد هذا الاذلال والعذاب٬ ان اقدم لهم لحمي عشاء شهيا يتمتعون به٬ ثم اني ادافع عن قضية عادلة وبسيطة هي حقي وحق الاخرين في الحياة والحرية » . وكان لطريق المعرفة وتجاوز ما تشربته من ثقافة الجاهز دور كبير في انقاذ نفسي وأسرتي الصغيرة بمن فيهم هاجر من مستنقع الموت٬ المنصوب بتطاول الزمن في تغطية الحيلة والتدليس الذكوري بصبغة التعالي والتديين. والجميل في التجربة ايضا. شف داخلي٬ حتى رأيت في عمق قلبي حجابي الرائع الجمال٬ وأنا استرد ذاتي المسروقة٬ عندها مزقت نقابي الساتر لفرحة وصال القلب بنور السماء. وكم صرت عاشقة اكثر من ذي قبل بهذا الفيض العاطفي الانساني وأنا ارى الحيوية والحياة قد تجددت في اطفالي وهاجر التي عادت الى اسرتها انسانة اخرى متعلقة بمواصلة دراستها اكثر من أي يوم مضى . ما اجمل ان يطلق او يطرد الانسان الظلم و المحتل والمستبد المدمر لكيان الانسان. لم انتصر على زوجي ولكننا انتصرنا على الرجل الجبار المندس في قلبه و القابع في ثنايا تشبيكه العصبي …جاء الصباح في الصباح .. فجأة تغير زوجي وأنا اضع الحجة تلو الاخرى وسؤال الشك في المعطى الموروث. هكذا ترجل هذا الرجل الليلي ونزل عن صهوة القمر وقد تجعدت تقاسيم وجهه برائحة التبغ العفن. فتنهد القمر أخيرا من وطأة شجون هذا الرجل الوديعة في حضن أمه ..استغربت ابتسامته وهو يغازلني بإرث أمه الثقيل مترددا خوفا من أن يسقط متاع الذكورة والفحولة والشهامة من طفولته المستعادة في ذاكرة عيون أم ربت رجلا لحلبة الليل ..كان مرتبكا إلى حدّ أنه كاد يتعثر في أسمال رجولته وهي تعيق فرحة جمال التلاقي بزوجته.. كدت أقول حبيبته وإن كنت لا اخفي تلك الرغبة المجنونة في أن أكون حده الفني لهذا الفرح النادر لجمال الحب وهو يجمعنا على الشرفة تحت نور الشمس٬ وعلى مرأى من القمر المحتشم من عشق استعادة صوته المفقود ..عندها انتفض جسدي دون إشارة مني.. لعل هذا الجسد أدرك في قرارة نفسي أنني صرت انسانة لا سريرا لعبور الليل…اعرف وقاحتكم وانتم تقرؤون بوح امرأة وتحاولون بشق الأنفس معرفة ما حدث في الشرفة٬ ولعل بعضكم تسلل بين ثنايا السطور٬ وهز الكلمات بعنف خياله الرمزي الذي يؤرقه بصور مبتورة كضوء هارب . العتمة مأواك أيها الرجل الشرقي٬ استأصل عيونك لتبصر بقلبك هذا الجمال الأخاذ وأنت ترى امرأة تتعرى من عورة ألبسني إياها أجدادك في الملة والدين..امرأة تستعيد جسدها المسلوب وأنا أقذف من أعلى الشرفة بالضلع الأعوج ..وهو يسقط على قارعة الطريق محدثا دويا هائلا في جماجم العجزة النائمين٬ بينما استغرب الأطفال ألا تخرج من هذه الجثة المرعبة غير قطرة دم قانية٬ سرعان ما حملتها ذبابة إلى اقرب مزبلة. كما باغت الشباب نعش حمله الخفيف وهم يغنون لحنه على إيقاع الحفر والدفن الأخير ..وكما يقال البكاء بعد الميت خسارة .. لن أعذبكم طويلا وانتم تتلهفون لمعرفة كل التفاصيل ..التعذيب ليس مهنتي فبقدر ما اكره الجلاد اكره أيضا لعبة الضحية كما تفضلون .. لست بائعة كلمات هذه حياتي ..وهذا الغسيل القذر لا يخصني …
شعرت بفرحة عارمة لكوني امرأة تخلصت من تعدد الزوجات٬ و من أسطورة الضلع الأعوج وأنا اسحبه من جذوره العتيدة لجسد أريد له أن يكون لعنة أو فتنة أو عورة٬ أثقلها بالأغلال سجن الآباء والأديان والحكام ..عندما رأيت جثة الأسطورة ترتطم بالأرض على قارعة الطريق غمرني إحساس إنسانة تولد من جديد. صحيح أن حشرجة بكاء عميق تحركت في الأعماق٬ لكن ضحكتي العميقة فوتت فرصة عقدة الذنب البليدة وهي تحاول التشبث بأهداب ذاكرة جسد عانى من قهر مزمن . عندها كان زوجي يقف مذهولا من هول المفاجأة وباقة الورد وكاس حليب الصباح الدافئ اللذين قدمهما إلي بمحبة لا تخلو من تغير دقات قلبه بعنف النبض الذي انعكس رنينه في ارتعاش يديه ..كل هذا حرك في دواخلي سؤال الفرح بالحياة الذي شوهته نصوص ارث الذكورة والضلع الأعوج …
ما كنت اعرف أن الحب يجدد الدماء الراكدة الآسنة ..لقد أدركت أن الإنسان معجزة تنبض بالحياة و الخير والجمال والحب …وماعدا ذلك فشهادة زور ينسجها عجز الضعاف وقهر الطغاة وفقهاء الظلام.
الصفحة التاسعة/ السنة التاسعة/ العدد21 /08 تموز 2012
0 comments:
Post a Comment