عائشة الصديقي - صحفية بحرينية
يعتبر كتاب الجنس الآخر لمؤلفته الفرنسية سيمون دي بوفوار كتابا مهما في نشأة الحركة النسائية الغربية، فسيمون انطلقت من واقع فرنسا، ومن واقع الفرنسيات اللواتي عشن حالة من الاضطهاد والدونية بحسب دي بوفوار.
أثارت سيمون في كتابها سؤال ماهي المرأة؟ دلالة على الجدلية التي أثيرت حول ماهية المرأة والرجل، فالرجل يعتبر جسمه كائن مستقل يتصل مع العالم اتصالا حرا خاضعا لإرادته، أما جسم المرأة فهو حافل بالقيود.
فالمرأة بمفهومها هي "أنثى" والرجل "ذكر"، فهل الذكورة والأنوثة هي أصل الإشكالية التي طرحتها دي بوفوار ولا تزال حتى هذه اللحظة تثار، من الذي سمح للرجل أن يترفع لأصله الذكري، ومن الذي حدد للمرأة أن تعتبر جنسها الأنثوي تحت الثرى؟ أو ليس الذكر والأنثى هما جنسان من طينة واحدة، لا تمييز بينهما سوى أعضاء خصصت للذكر وأخرى للأنثى هدفها التكاثر والتناسل، فهل المصير المحتوم هو مفهوم "الأنوثة" و"الذكورة"؟ إذا كان الجنس قد حدد بيولوجيا ولا يمكن تغييره، فلم المجتمع يظلم جنسا دون آخر؟
إن ما تطرحه سيمون في كتابها المنشور في العام 1949، هو معاناة لواقع "امرأة" عاشت في كنف السلطة الأبوية وتحاول الخروج من أجل استرداد حريتها المسلوبة، وهو استعراض حيّ لتاريخ الحركة النسوية الغربية التي كانت فرنسا من أوائل الدول التي ظهرت فيها تلك الحركات وبالأخص بعد الثورة الفرنسية، بيد أن الحركة النسائية في ذلك الوقت لم تكن مستقلة بل كانت في يد السياسيين، كما أن تاريخ النساء كان من صنع الرجال، وكانت مسألة المرأة دائما مسألة رجال أمسكوا بمصيرها، ولم يقروا بمصلحتها بل أخذوا أهدافهم ومخاوفهم وحاجاتهم.
إذا كان تاريخ النساء من صنع الرجال، فهل يعني ذلك أن المرأة هي التي سمحت للرجل أن يعتبرها جنساً آخراً؟ أم إن المجتمع هو الذي حكم عليها لتكون جنسا آخرا؟ تابعا خاضا للرجل؟ وهل اختارت أن تكون في قفص عوضا عن أن تكون طائرا طليقا؟
إن المجتمع هو الذي ساهم في خلق الصورة النمطية للمرأة لتكون أنثى، خاضعة للرجل، صنعها المجتمع لتكون جنسا آخرا، ألغى شخصيتها وطمس إنسانيتها، واعتبرها أنثى بالمفهوم المطلق جسدا كمتاع، حسب أهوائه، لا يمكن للإنسان العاقل أن يختار العيش في قفص، إلا إذا حكمت عليه ظروف الحياة أن يعيش في قفص، مقيدا بالأغلال، إن الحرية المسلوبة التي عاشتها المرأة جعلتها تنطلق من أجل استرداد الحق الطبيعي الذي كفلته لها الأديان "الحرية" المنشودة والتحرر من تبعية الرجل والخضوع له.
كيف أصبحت المرأة جنساً آخرا؟ وما هي الأسباب التي جعلتها "آخرا"؟ وهل الأسباب التي طرحتها دي بوفوار والتي مضى عليها 60 سنة، هي الأسباب ذاتها التي جعلت المرأة العربية أيضا "آخرا"؟
لقد استعرضت سيمون في كتابها قضايا رئيسة ومهمة ولربما صلب الموضوع هو فهم الإشكالية المطروحة في كيفية اعتبار المرأة هي "الآخر"، أوضحت دي بوفوار أن المعطيات البيولوجية التي حددت مفهوم الذكر والأنثى بالأعضاء التناسلية ليست مبرراً لاعتبار المرأة هي الجنس الآخر، ولايمكن تقرير مصير المرأة النهائي بناءً على تلك المعطيات، كما أنها لا تحدد التمايز بين الجنسين، وأحالت سيمون رأيا آخرا من أجل تفسير "الآخر" بناء على نظرية فرويد الذي يرى أن السلوك بمجموعه ينجم عن الرغبة، كما أن مركب النقص عند المرأة بحسب فرويد هو حرمان المرأة من العضو الذكري على اعتبار أنه رمز للامتيازات الممنوحة للصبيان، وبالتالي فإن وجهة نظر التحليل النفسي للمرأة لاتعطي اقناعا كافيا باعتبار المرأة "الجنس الآخر".
إذن كيف أصبحت المرأة هي "الآخر"؟ لو أحلنا الأسباب التاريخية كسبب مباشر لاعتبار المرأة الجنس الآخر، فإننا بالتالي لن نحصل على الإجابة المقنعة، المجتمع الإنساني كان أمميا، وفي العصور المتلاحقة وتطورها تدرجت المرأة حتى غدت في سيطرة الرجل، وهي السيطرة الأبوية القائمة على الملكية الفردية، وأصبحت المرأة تابعة للرجل باعتبارها ملكه الخاص.
ومذ تلك الفترة والمرأة تعيش في صراع داخلي حول "أنوثتها" و"كيانها المنفصل" ففي مرحلة الطفولة فإن الفتاة تربى لتصبح امرأة، تحاول الأم أن تصنع نسخة مكررة عنها من خلال ابنتها، ونرى الطفلة الصغيرة تدلل دميتها وتزينها، لأنها ترى نفسها دمية رائعة جميلة، وفي داخلها تبدأ مرحلة اكتشاف "الأنثى"، التي تراها من خلال والدتها، وفي نظرة المجتمع لها، ويتبلور ذلك الشعور الداخلي للفتاة في مرحلة المراهقة، وتظهر عليها علامات الأنوثة، وتكتشف أسرار جسدها وغموضه، لتصبح امرأة أنثى بكل المقاييس وتهيأ لتصبح زوجة، تكون تابعة له خاضعة له بجسدها الأنثوي، وهنا تبدأ مرحلة الصراع الداخلي(الخضوع الجنسي للرجل) هو (خضوع للرجل)، تجد المرأة نفسها "جنسا آخرا" يتمتع فيه الرجل كيفما أراد مع أنه حق مشروع له، إلا أنها تعتبر نفسها "آخرا" لا وجود له دون "الآخر" وهو الرجل ذو الكيان المستقل، الذي يخضعها لرغباته، لأنه يجد في جسد المرأة "متاعا" يحاول من خلاله إلغاء شخصها فهي ملك للرجل، وبحسب دي بوفوار:"أن الرجل هو الذي يمسك زمام المبادرة في أغلب الأحيان، فيغازلها ويداعبها وتتلقى غزله وعروضه بكل استسلام وسلبية، فهو الذي يقودها إلى المخدع...."
وحين تصبح زوجة فإن البيت هو ملاذها، ترعى شؤون المنزل والأطفال، وتكون تابعة للرجل خاضعة له، غير مستقلة ماديا، مرتبطة ارتباطا وثيقا بالرجل، لا تنفصل عنه، فهي لا تعتبر نفسها كيانا مستقلا بل جزءاً من الآخر.
وهنا يحيلنا إلى حقيقة واضحة وجلية، أن المرأة هي التي جعلت من نفسها "الآخر"، رضيت بمصيرها المحتوم، كزوجة وأم، وفرضت عليها تنشئتها الاجتماعية أن تكون "آخرا" مجرد متاع للرجل، خادمة مطيعة في بيت زوجها، لا تنفك عنه أو تنفصل، فهي جزء من الآخر، استسلمت فيه لإرادة المجتمع، لقيمه، ولأعرافه، وغدت كيانا في كيان، لم تحاول التمرد، مقتنعة من أنها الآخر، لم تحاول الخروج من عباءة الرجل، ولم تحاول أن تعبر عن رأيها بحرية خوفا من هجر الرجل لها، وخوفا من نظرة المجتمع لها.
وقد تطرقت الكاتبة في معرض كتابها إلى نقاط مهمة تجدر الإشارة إليها ومنها أن المرأة لا تؤمن بتحريرها، فهل صحيح أن المرأة لا تؤمن بتحريرها؟ رأي يحتمل صوابا ويحتمل خطأ، كما أن الحرية تختلف من شخص وآخر، فهناك نساء مقتنعات بحدود الحرية المتاحة إليهن، ويعتبرنها الحرية المنشودة حتى وإن ضلت قابعة في منزلها مع زوجها وأولادها، فهي ترى حريتها ضمن نطاق منزلها، وتلك أنموذج لامرأة رضخت للواقع، ولنظام الحياة الذي تعيشه، مؤمنة بقيم مجتمعها وبأعرافه، فهي تجد في معنى الحرية الفضفاض "إنحلال أخلاقي"، وعلى النقيض تماما فهناك نساء تمردن على عادات المجتمع وقيوده، ويجدن في الحرية منطلقا لتحقيق رغباتهن وأحلامهن، فالحرية بمعناها الواسع "حرية الفكر والتعبير والحياة".
أما النقطة الأخرى التي أثارتها دي بوفوار "إذا ما حررنا المرأة فإننا نحرر الرجل ولكنه يخشى ذلك"، فهل يخشى الرجل الحرية؟ أم الخوف من تفوق المرأة عليه وتمردها عليه؟ هل لأن الرجل بطبيعته مسيطر، ويرى نفسه أنه ملك القوة ليمتلك إنسانا ضعيفا اسمه "امرأة"؟
قد نتفق مع الرأي، وقد نتعارض معه، وحتى ننصف المرأة والرجل، فإن الرجل أيضا مسلوب الإرادة في مجتمعه، تمارس عليه صنوف القمع، ولا يستطيع التعبير عن رأيه بحرية فهو أيضا لا يشعر بالحرية، لذا فنراه يسيطر على المرأة الضعيفة، لأنه أصلا ضعيف أمام السلطة، وبالتالي فإن المرأة والرجل لن يتحررا، ما دامت الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية غير حرة.
ولربما سيطرة تلك الأنظمة السياسية والاقتصادية على الرجل جعلته يعتبر المرأة هي "الآخر" باعتبارها الحلقة الأضعف، غير معترف بأنها كيان منفصل عنه، فهو يرى أن المرأة لا يمكن أن تستغني عنه، فهي محتاجة له، متناسيا حقيقة مهمة أنه كذلك لا يمكن له الاستغناء عن المرأة فحاجته للمرأة تكون أكثر من حاجة المرأة إليه.
يعتبر كتاب الجنس الآخر لمؤلفته الفرنسية سيمون دي بوفوار كتابا مهما في نشأة الحركة النسائية الغربية، فسيمون انطلقت من واقع فرنسا، ومن واقع الفرنسيات اللواتي عشن حالة من الاضطهاد والدونية بحسب دي بوفوار.
أثارت سيمون في كتابها سؤال ماهي المرأة؟ دلالة على الجدلية التي أثيرت حول ماهية المرأة والرجل، فالرجل يعتبر جسمه كائن مستقل يتصل مع العالم اتصالا حرا خاضعا لإرادته، أما جسم المرأة فهو حافل بالقيود.
فالمرأة بمفهومها هي "أنثى" والرجل "ذكر"، فهل الذكورة والأنوثة هي أصل الإشكالية التي طرحتها دي بوفوار ولا تزال حتى هذه اللحظة تثار، من الذي سمح للرجل أن يترفع لأصله الذكري، ومن الذي حدد للمرأة أن تعتبر جنسها الأنثوي تحت الثرى؟ أو ليس الذكر والأنثى هما جنسان من طينة واحدة، لا تمييز بينهما سوى أعضاء خصصت للذكر وأخرى للأنثى هدفها التكاثر والتناسل، فهل المصير المحتوم هو مفهوم "الأنوثة" و"الذكورة"؟ إذا كان الجنس قد حدد بيولوجيا ولا يمكن تغييره، فلم المجتمع يظلم جنسا دون آخر؟
إن ما تطرحه سيمون في كتابها المنشور في العام 1949، هو معاناة لواقع "امرأة" عاشت في كنف السلطة الأبوية وتحاول الخروج من أجل استرداد حريتها المسلوبة، وهو استعراض حيّ لتاريخ الحركة النسوية الغربية التي كانت فرنسا من أوائل الدول التي ظهرت فيها تلك الحركات وبالأخص بعد الثورة الفرنسية، بيد أن الحركة النسائية في ذلك الوقت لم تكن مستقلة بل كانت في يد السياسيين، كما أن تاريخ النساء كان من صنع الرجال، وكانت مسألة المرأة دائما مسألة رجال أمسكوا بمصيرها، ولم يقروا بمصلحتها بل أخذوا أهدافهم ومخاوفهم وحاجاتهم.
إذا كان تاريخ النساء من صنع الرجال، فهل يعني ذلك أن المرأة هي التي سمحت للرجل أن يعتبرها جنساً آخراً؟ أم إن المجتمع هو الذي حكم عليها لتكون جنسا آخرا؟ تابعا خاضا للرجل؟ وهل اختارت أن تكون في قفص عوضا عن أن تكون طائرا طليقا؟
إن المجتمع هو الذي ساهم في خلق الصورة النمطية للمرأة لتكون أنثى، خاضعة للرجل، صنعها المجتمع لتكون جنسا آخرا، ألغى شخصيتها وطمس إنسانيتها، واعتبرها أنثى بالمفهوم المطلق جسدا كمتاع، حسب أهوائه، لا يمكن للإنسان العاقل أن يختار العيش في قفص، إلا إذا حكمت عليه ظروف الحياة أن يعيش في قفص، مقيدا بالأغلال، إن الحرية المسلوبة التي عاشتها المرأة جعلتها تنطلق من أجل استرداد الحق الطبيعي الذي كفلته لها الأديان "الحرية" المنشودة والتحرر من تبعية الرجل والخضوع له.
كيف أصبحت المرأة جنساً آخرا؟ وما هي الأسباب التي جعلتها "آخرا"؟ وهل الأسباب التي طرحتها دي بوفوار والتي مضى عليها 60 سنة، هي الأسباب ذاتها التي جعلت المرأة العربية أيضا "آخرا"؟
لقد استعرضت سيمون في كتابها قضايا رئيسة ومهمة ولربما صلب الموضوع هو فهم الإشكالية المطروحة في كيفية اعتبار المرأة هي "الآخر"، أوضحت دي بوفوار أن المعطيات البيولوجية التي حددت مفهوم الذكر والأنثى بالأعضاء التناسلية ليست مبرراً لاعتبار المرأة هي الجنس الآخر، ولايمكن تقرير مصير المرأة النهائي بناءً على تلك المعطيات، كما أنها لا تحدد التمايز بين الجنسين، وأحالت سيمون رأيا آخرا من أجل تفسير "الآخر" بناء على نظرية فرويد الذي يرى أن السلوك بمجموعه ينجم عن الرغبة، كما أن مركب النقص عند المرأة بحسب فرويد هو حرمان المرأة من العضو الذكري على اعتبار أنه رمز للامتيازات الممنوحة للصبيان، وبالتالي فإن وجهة نظر التحليل النفسي للمرأة لاتعطي اقناعا كافيا باعتبار المرأة "الجنس الآخر".
إذن كيف أصبحت المرأة هي "الآخر"؟ لو أحلنا الأسباب التاريخية كسبب مباشر لاعتبار المرأة الجنس الآخر، فإننا بالتالي لن نحصل على الإجابة المقنعة، المجتمع الإنساني كان أمميا، وفي العصور المتلاحقة وتطورها تدرجت المرأة حتى غدت في سيطرة الرجل، وهي السيطرة الأبوية القائمة على الملكية الفردية، وأصبحت المرأة تابعة للرجل باعتبارها ملكه الخاص.
ومذ تلك الفترة والمرأة تعيش في صراع داخلي حول "أنوثتها" و"كيانها المنفصل" ففي مرحلة الطفولة فإن الفتاة تربى لتصبح امرأة، تحاول الأم أن تصنع نسخة مكررة عنها من خلال ابنتها، ونرى الطفلة الصغيرة تدلل دميتها وتزينها، لأنها ترى نفسها دمية رائعة جميلة، وفي داخلها تبدأ مرحلة اكتشاف "الأنثى"، التي تراها من خلال والدتها، وفي نظرة المجتمع لها، ويتبلور ذلك الشعور الداخلي للفتاة في مرحلة المراهقة، وتظهر عليها علامات الأنوثة، وتكتشف أسرار جسدها وغموضه، لتصبح امرأة أنثى بكل المقاييس وتهيأ لتصبح زوجة، تكون تابعة له خاضعة له بجسدها الأنثوي، وهنا تبدأ مرحلة الصراع الداخلي(الخضوع الجنسي للرجل) هو (خضوع للرجل)، تجد المرأة نفسها "جنسا آخرا" يتمتع فيه الرجل كيفما أراد مع أنه حق مشروع له، إلا أنها تعتبر نفسها "آخرا" لا وجود له دون "الآخر" وهو الرجل ذو الكيان المستقل، الذي يخضعها لرغباته، لأنه يجد في جسد المرأة "متاعا" يحاول من خلاله إلغاء شخصها فهي ملك للرجل، وبحسب دي بوفوار:"أن الرجل هو الذي يمسك زمام المبادرة في أغلب الأحيان، فيغازلها ويداعبها وتتلقى غزله وعروضه بكل استسلام وسلبية، فهو الذي يقودها إلى المخدع...."
وحين تصبح زوجة فإن البيت هو ملاذها، ترعى شؤون المنزل والأطفال، وتكون تابعة للرجل خاضعة له، غير مستقلة ماديا، مرتبطة ارتباطا وثيقا بالرجل، لا تنفصل عنه، فهي لا تعتبر نفسها كيانا مستقلا بل جزءاً من الآخر.
وهنا يحيلنا إلى حقيقة واضحة وجلية، أن المرأة هي التي جعلت من نفسها "الآخر"، رضيت بمصيرها المحتوم، كزوجة وأم، وفرضت عليها تنشئتها الاجتماعية أن تكون "آخرا" مجرد متاع للرجل، خادمة مطيعة في بيت زوجها، لا تنفك عنه أو تنفصل، فهي جزء من الآخر، استسلمت فيه لإرادة المجتمع، لقيمه، ولأعرافه، وغدت كيانا في كيان، لم تحاول التمرد، مقتنعة من أنها الآخر، لم تحاول الخروج من عباءة الرجل، ولم تحاول أن تعبر عن رأيها بحرية خوفا من هجر الرجل لها، وخوفا من نظرة المجتمع لها.
وقد تطرقت الكاتبة في معرض كتابها إلى نقاط مهمة تجدر الإشارة إليها ومنها أن المرأة لا تؤمن بتحريرها، فهل صحيح أن المرأة لا تؤمن بتحريرها؟ رأي يحتمل صوابا ويحتمل خطأ، كما أن الحرية تختلف من شخص وآخر، فهناك نساء مقتنعات بحدود الحرية المتاحة إليهن، ويعتبرنها الحرية المنشودة حتى وإن ضلت قابعة في منزلها مع زوجها وأولادها، فهي ترى حريتها ضمن نطاق منزلها، وتلك أنموذج لامرأة رضخت للواقع، ولنظام الحياة الذي تعيشه، مؤمنة بقيم مجتمعها وبأعرافه، فهي تجد في معنى الحرية الفضفاض "إنحلال أخلاقي"، وعلى النقيض تماما فهناك نساء تمردن على عادات المجتمع وقيوده، ويجدن في الحرية منطلقا لتحقيق رغباتهن وأحلامهن، فالحرية بمعناها الواسع "حرية الفكر والتعبير والحياة".
أما النقطة الأخرى التي أثارتها دي بوفوار "إذا ما حررنا المرأة فإننا نحرر الرجل ولكنه يخشى ذلك"، فهل يخشى الرجل الحرية؟ أم الخوف من تفوق المرأة عليه وتمردها عليه؟ هل لأن الرجل بطبيعته مسيطر، ويرى نفسه أنه ملك القوة ليمتلك إنسانا ضعيفا اسمه "امرأة"؟
قد نتفق مع الرأي، وقد نتعارض معه، وحتى ننصف المرأة والرجل، فإن الرجل أيضا مسلوب الإرادة في مجتمعه، تمارس عليه صنوف القمع، ولا يستطيع التعبير عن رأيه بحرية فهو أيضا لا يشعر بالحرية، لذا فنراه يسيطر على المرأة الضعيفة، لأنه أصلا ضعيف أمام السلطة، وبالتالي فإن المرأة والرجل لن يتحررا، ما دامت الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية غير حرة.
ولربما سيطرة تلك الأنظمة السياسية والاقتصادية على الرجل جعلته يعتبر المرأة هي "الآخر" باعتبارها الحلقة الأضعف، غير معترف بأنها كيان منفصل عنه، فهو يرى أن المرأة لا يمكن أن تستغني عنه، فهي محتاجة له، متناسيا حقيقة مهمة أنه كذلك لا يمكن له الاستغناء عن المرأة فحاجته للمرأة تكون أكثر من حاجة المرأة إليه.
إن تلك الأسباب جمعاء يمكن قياسها على واقعنا العربي المعاش، فصراع المرأة والرجل أو "الذكورة والأنوثة" صراع لم يكن وليد اللحظة، وإنما كان نتيجة سلسلة من الأحداث والوقائع التي جعلت الصراع ينمو ويضطرم، إنه صراع التاريخ الذي بدأ منذ خروج أبينا آدم عليه السلام وأمنا حواء من الجنة، برغم الخطاب الإلهي الذي جمع "آدم وحواء" في أكثر من موضع بأن الإثم مشترك بينهما، "فوسوس لهما الشيطان"، "وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة..."(الأعراف، آية 20 و22). بيد أن ذلك الحدث اتهم حواء بأنها السبب في خروج آدم من الجنة، وجعلها تكون أصل كل بلية، وخلقها من ضلع آدم دليل على أنها الفرع وليس الأصل، فالأصل هو آدم وهي خرجت من ضلعه، وبالتالي فهي جنس آخر، وبدأ الصراع بين الأصل والفرع، أي بين "الذكورة والأنوثة".
إن ذلك الصراع هو الذي جعل المجتمع يعتبر المرأة آخرا، مبتعدا كل البعد عن الدين الذي كرم المرأة وساواها بالرجل، لقد ترك المجتمع مآثر المرأة، واختزلها فقط في موضعين، "أنها السبب في خروج آدم" و"بأنها خلقت من ضلع أعوج"، دون الرجوع إلى التفسيرات الصحيحة، مكتفيا بمرويات ضعيفة لا تستند إلى حقائق ثابتة.
وغدا الصراع بين "الذكورة والأنوثة" كل يحاول الانتصار لجنسه، إلا أن "الذكورة" انتصرت، لأنها تعيش في ظل مجتمع ذكوري، يستند إلى حقائق واهية، وغدت "الأنوثة" ذنبا وجريرة وستظل هي "الآخر"، لأنها تعيش في صراع ذاتي مذبذبة لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فلم تستطع أن تدافع عن جنسها، ولا أن تدافع عن حياتها، فهي بين شرق وغرب، بين حرية منحلة وحرية مقيدة بشروط.
الصفحة التاسعة/ السنة التاسعة/ العدد21 /08 تموز 2012
ايش نسوي طيب ؟!
ReplyDeleteالله يعين