فلاح علوان
منذ ما يقارب التسع سنوات اجتاحت قواتكم العراق تحت ذريعتين؛ الاولى وجود اسلحة الدمار الشامل والثانية نشر الديمقراطية. اما الذريعة الاولى فقد ثبت بطلانها وكذبها وهو ما اعترف به جهارا الرئيس السابق جورج بوش، وهو ما يشكل عارا في ابسط الاحوال. واما بخصوص نشر الديمقراطية؛ فقد انتشر عوضا عنها القتل والسلب والنهب والحرب الطائفية وسيطرة المليشيات المسلحة والارهاب والفساد وفرض التراجع على حياة الناس وبالاخص النساء، وانتشار الاتجار بالبشر وشبكات البغاء، وانهيار المؤسسات الثقافية وتراجع التعليم. لقد تم نهب ثروات المجتمع، من السلطات التي قمتم بايصالها الى الحكم والتي اخذت تتقن البقاء في الحكم عن طريق فن ادارة الانتخابات.
لقد انتشرت انواع من الجريمة والعربدة السياسية والتوحش، لم تمر بالبلاد من قبل، ولا حتى في عصور انحطاطه السياسي قبل قرون. وتراجعت المدنية بابعاد مخيفة، ولم تنج مكتسبات الاجيال التي تشكل حصيلة عقود من النضال والتطور التاريخي، ولم ينج من الاحتلال والخراب ولا حتى عظام البابليين القدامى التي نبشت بحثا عن الاثار واللقى النفيسة، ولا اطلال السومريين والاكديين الغابرين والتي حولتموها الى ثكنات لتدريب جنودكم الذين حفروا بالشفلات بحثا عن الاثار ودمروا حتى الرقم الطينية التي كتب عيها الانسان الاحرف الاولى منذ ألوف السنين.
لم يكتف الاحتلال بهذا الخراب فحسب، بل جلب الى السلطة قوى سياسية زرعت الكراهية والعداوة، ومحاربة كل ما له صلة بالحداثة والتقدم والتحرر، واحيت نزاعات وصراعات الماضي السحيق، وادخلت المجتمع في دوامة العنف والتاخر والفساد وتدمير اسس المدنية.
بعد كل هذا، فان انسحابكم المعلن والمشكوك فيه لن يكون كافبا ابدا لحل الازمات والمشاكل التي ادخلتم المجتمع فيها، حيث يلزمنا سنين طويلة للنسى الالام وذكريات ضحايا الاحتلال والنزاعات، وعشرات السنين لاعادة ما دمرتم، وعشرات السنين لتامين مستقبل الاجيال، واعادة بناء ما خربتم. لقد خلفتم بيئة ملوثة بالاشعاعات وتربة تسممت الى الابد باسلحتكم. مازال الاطفال والكبار المصابون بالامراض المستعصية القاتلة جراء اسلحتكم، يستنجدون ولا علاج، ويتالمون حتى يريحهم الموت من معاناتهم.
لقد انفقتم ترليونات الدولارات من اموال دافعي الضرائب من المواطنين الامريكان الرافضين لحروبكم، وتسببتم في البطالة والافلاس والتقشف وانعدام الامن الحياتي والمعاشي في صفوف الشعب الامريكي. لقد دفعتم الشباب الامريكي للموت في الجبهات او ليقتل الابرياء مرغما تحت ذريعة مكافحة الارهاب، ان المحاربين القدامى يناضلون ضد الحرب، ويرفضون سياستكم علنا. ان عمال امريكا اعلنوا وقوفهم ضد الحرب قبل اندلاعها، وونظموا انفسهم في حملات ومنظمات ضد الحرب.
ستتبادلون التهاني والتحايا ويعود بعض قادتكم العسكريين بهيأة منتصرين، مخلفين الماسي التي لا تمحى، فاي انسحاب هذا دون ان تسجل اي جريمة ضد ما قمتم به؟
انكم مدينون لشعب العراق بالتعويض عما اصابه، والتزام المسؤولية الكاملة عن ضحايا حربكم. اننا نحتفظ بحق المطالبة بحقوقنا هذه سواء نصت اتفاقيتكم مع الحكومة الحالية في العراق على ذلك او على خلافه، وسواء اتفقتم عليه او لم تتفقوا.
ان صوتنا هو صوت ملايين العمال والكادحين في العراق، وهو صوت عموم الجماهير في البلاد، وهو نابع من حسهم ومعاناتهم لما جرى ويجري لهم. وهو في نفس الوقت صوت وضمير مليارات البشر معنا في عموم العالم وخاصة بين جماهير امريكا الداعين للحرية ومناهضة الحروب والعيش بسلام مع العالم. ان الاف الذين يعتصمون في الوول ستريت في "حركة احتلوا الوول ستريت"، هي رسالة سلام بالضد من الحروب ورسالة رفض لاستغلال الانسان للانسان، ورسالة عالمية تدعو للمساواة وانهاء الظلم، وقد وجدت صداها العاصف في كل العالم، ونحن نقف صفا واحدا مع رفاقنا في الوول ستريت ضد سياساتكم ونظامكم الراسمالي.
عاشت الحرية .... عاشت المساواة
الصفحة الخامسة/ مجهر المساواة/ السنة التاسعة/ العدد19 /20 شباط 2012
0 comments:
Post a Comment