قصة قصيرة
رحاب السامرائي
نعم هذه حقيقة، وشهدتها بأم عيني....
لم يقتلها بالمسدس أو السم أو السيف، بل قتلها بسوء المعاملة والقسوة والضرب المبرح يوميا.
كانت أمي طائعة وديعة، قبلت بالزواج من أبي الذي كان متزوجا ولديه ستة أبناء، ويكبرها بعشرين عاما.قبلت به وهو المثقف الحاصل على الدكتوراه.وهو المبادر .كما يبدو للناس.الى عمل الخير وتوطيد علاقاته بالمجتمع.فهو يداوم على حضور أفراح الناس وأتراحهم.ودوما يرسم على وجهه ابتسامات عريضة تحبب وتسهل دخوله قلوب الأخرين. ولكنه، ما ان يدخل المنزل، حتى يتحول الى وحش كاسر، يخلع قناع الخداع، ويلبس جلابية رثة ويقتل الأبتسامة ويبدأ في الصراخ لطلب الطعام وغيره من الطلبات ومن دون سبب أراه يقذف صحن الطعام في وجه أمي ويسبها ويلعنها وينهض من على المائدة مزمجراً بعد أن يركل ظهرها.
كتمت أمي كل الأهانات، وصبرت على كل التصرفات القاسية التي كانت تتلقاها من أبي، حرصا على تماسك الأسرة وحمايتها لي ولأخي الصغير.
انعزلت امي في حجرتها لسنوات، لاتكلم أحدا، ولا توطد صداقاتها مع الأخريات، لأن تقاليد الأسرة لا تسمح للزوجة بأن تشيع اخبار منزلها في العلن. كانت تبكي لسنوات من دون أن يتغير أبي، او يرأف بحالها، وكان يهددها انها لو اتصلت بوالدها او بأخوانها، بأنه سوف يضربها ضربا لم تعرفه بعد.
وشيئاً فشيئاً بدأ المرض اللعين ينتشر في أنحاء جسدها، وبدأت تضمحل وتصغر، كرهت الطعام والجلوس معنا، ولم تكن تشاهد التلفزيون أو تقرأ الصحف، كما أنها قطعت كل علاقاتها، حتى مع صديقاتها المقربات.
كانت جدتي تسأل عنها يوميا، وهي تجيبها بالهاتف بأنها في حالة جيدة وسعيدة مع زوجها، وتشكر هذا الزوج (أبي)على عطفه وحبه وكرمه. كانت لا تلوي على شيء، ولا تعرف ما تفعل سوى الصمت.
ماتت والدتي في سريريها ذات ليلة، بعد ان وهنت وأضناها التفكير، وكان أبي عند زوجته الأولى.لم أكن أعرف كيف أتصرف، أتصلت به وأخبرته بأن أمي قد توفيت، لم يهتم ولم يتأثر، بل أغلق الخط بعد أ، زأر في وجهه:"بكره اجيكم".
هل يوجد زوج في الدنيا لا يؤثر فيه رحيل زوجته، خصوصا أن كان لا يعاملها معاملة حسنة، وهي تتقبل كل ترهاته وغضبه وأهانته؟
ماتت أمي معلولة بحزنها الطويل، ولا أدري ماذا يخبئ لي والدي بعد أن اصبحت أنا وأخي الصغير وحيدين في المنزل، وأصبح لا يمر علينا ألا مرة في الأسبوع، حيث تتولى الشغالة أمور حياتنا.
الصفحة الحادية عشر/ السنة التاسعة/ العدد22 /20 اكتوبر 2012
0 comments:
Post a Comment