جميع الحقوق محفوظة لصالح جريدة المساواة الرجاء ذكر المصدر عند اعادة النشر او الاقتباس

All rights reserved for Al Mousawat Journal Please mention the source when you republish or quote




Thursday, March 7, 2013

انتفاضة على النظام البطريركي





هاني نعيم / لبنان




أثناء الانتفاضات والثورات، تخرج قضايا الظلّ إلى الضوء. لذا أخذت البطريركيّة حيّزًا واسعًا من الحراك الميداني أثناء معركة شعوب عالم ما بين الأزرقين ضد “الأخ الأكبر”، خصوصًا وأنّها تدخل في كافة تفاصيل الحياة اليوميّة. فهي في السلطة، والدين، والإعلام، والمناهج التربويّة، والشارع  وداخل المنازل. وإذا كانت معركة إسقاط الطغاة معركة سهلة نسبيًّا وقد تنتهي في سنوات معدودة، فإنّ المعركة ضد البطريركيّة طويلة وصعبة كونها تطال جذور المجتمع وهياكله السلطويّة والتاريخيّة – الثقافيّة.
إلى جانب معركة إسقاط الأنظمة، احتدمت المعركة ضد الذكوريّة المهيمنة، خصوصًا وأنّ المرأة رفضت دور المتلّقي، وأخذت زمام المبادرة، وشاركت في صنع الأحداث، كشريك أساسي في تغيير الواقع ورسم ملامح المستقبل. فوجه المرأة كان حاضرًا في الساحات والشوارع، من تونس وصولاً إلى صنعاء، مرورًا ببنغازي، والقاهرة، وحمص، والمنامة.
خروج المرأة إلى الشارع ليس جديدًا في هذه المنطقة من العالم إذا ما أدركنا أنّ النساء هنّ اللواتي كنّ يقدن المظاهرات والمسيرات قبل مجيء هذه الأنظمة التي نشاهد اليوم انهيارها الجميل. وهذا الخروج شكّل تهديدًا حقيقيًّا للسلطة وذكوريّتها.
حملة انتفاضة المرأة في العالم العربي
من هذا السياق، جاءت حملة “انتفاضة المرأة في العالم العربي” الإلكترونيّة التي تُعتبر من أنجح الحملات الأخيرة المرتبطة مباشرة بالمرأة العربيّة وحقوقها. ارتكزت الحملة على مشاركة الفتيات والشباب بإبداء أسباب دعمهم لانتفاضة المرأة في العالم العربي عبر كتابة هذه الأسباب على ورقة وحملها أمام الكاميرا وإرسال الصورة إلى إدارة الصفحة لتقوم بنشرها.
وصل عدد أعضاء الصفحة إلى 62 ألف عضو، وهو عدد كبير نسبة لصفحة تدعو المرأة إلى الانتفاض من أجل حقّها. استجاب الجميع لهذه الحملة. وقد فاق عدد الذين أرسلوا صورهم الألف شخص. وطبعًا، هناك من شعر بتهدّد مملكته الذكوريّة، فقام بمهاجمة الحملة ومنظّميها، وخصوصًا التيارات الدينيّة المتطرّفة التي لن تقبل بخروج “العورات” عن الطاعة ومطالبتهنّ بالحريّة.



 
وقد حققت الحملة نجاحات على مستويات عدّة:
- دخول الحملة إلى قعر الهامش. قعر المجتمعات: وهذا ما مكّننا من سماع أصوات نساء مخنوقات وراء جدران بيوتهنّ في الرياض، والكويت، وصنعاء، ودرعا، وغزّة، والقاهرة، وبنغازي والرباط. هؤلاء النساء ما كنّا لنعرف بوجعهنّ اليوميّ ومعاناتهنّ مع ذكوريّة المجتمع لولا هذه الحملة غير المكلفة، خصوصًا وأنّ الذكوريّة متجذّرة في مجتمعاتنا لدرجة أنّ طاعة المرأة للرجل هي من البديهيّات التي لا جدال فيها.
- تعرية البطريركيّة وجوهرها: فكلّ مشاركة كانت تحمل الأسباب التي تدعو المرأة للانتفاض من أجل حريّتها وحقوقها. لم تحمل المشاركات الكثير من الفلسفة، وكانت عباراتهنّ أقرب إلى الأسباب الحياتيّة اليوميّة. معظم المشاركات التي قامت بها النساء تمحورت حول حريّة الجسد: “جسد المرأة ملك لها وليس ملك المجتمع”، و”شرف المرأة يكون في أخلاقها وليس في الغطاء الذي تضعه على رأسها”، بالإضافة إلى رفض المقولة الدينيّة التي تعتبر المرأة “عورة”. مثل هذه المشاركات أتت بمعظمها من أكثر المجتمعات تديّنًا، مثل السعوديّة ومصر. موضوع التحرّش الجنسي أخذ بدوره حيّزًا لا بأس به من المشاركات، تحديدًا من مصر والأردن. ولم تغب الحقوق المدنيّة والسياسيّة عن المشاركات، لا سيّما تلك المرتبطة بمنح المرأة العربيّة الجنسيّة لأولادها (كثير من المشاركات حول هذا الموضوع كانت من لبنان)، والمساهمة في رسم مستقبل البلاد (مشاركات من سوريا، وفلسطين، وليبيا، والسعودية ودول أخرى).
- كسر الصور النمطيّة للرجل: من خلال خروج شبّان من أكثر المجتمعات العربيّة محافظةً، مثل منطقة الخليج العربي، والتصريح بدعمهم لانتفاضة المرأة في العالم العربي وكسر الصورة النمطيّة التعميميّة تجاه الرجال، علمًا أنّ هذه الصورة النمطيّة ساهم الخطاب النسوي العربي (والعالمي) بتعميمها وكأنّ المواجهة بين الرجال والنساء هي شرط أساسي لتحرّر المرأة من الذكوريّة. إنّما البطريركيّة أحد أعمدة المنظومة (أو السيستم) هي التي تقهر الإنسان في كلّ مكان على الكوكب بغض النظر عن جنسه ولونه وعرقه.
 


ثورة الأجساد على الذكوريّة
جاءت هذه الحملة بعد سلسلة من الأحداث التي جرت في مصر ورسمت ملامح المعركة ضد البطريركيّة. وكانت هذه الأحداث كثيفة برمزيّتها ودلالاتها.
الحدث الأوّل كان مع علياء مهدي التي تحدّت على طريقتها كلّ السلطات الذكوريّة التي تتحكّم بمجتمعها، معلنةً رفضها لهذه السلطات عبر نشر صورها عارية على مدوّنتها. طبعاً، شكّل هذا الحدث صدمة للمجتمع المصري الذي تصرّ الحركات الدينيّة على “تديينه”، وفتح نقاشًا واسعًا حول الحريّات الجنسيّة على صعيد عالم ما بين الأزرقين. نشرت علياء صورها عارية، في حين كانت المرشّحات عن الأحزاب السلفيّة في بلادها توضع صور أزواجهنّ بدل من صورهنّ على الملصقات الخاصة بالانتخابات. في مجتمعات تحكمها الذهنيّة الذكوريّة، تُعتبر الأنثى ملكًا عامًا للجميع. هي ملك الأب. الأخ. الزوج. الحاكم…. حياتها شأن عام ولا خصوصيّة لها. هي خاضعة دوماً للهرميّة الذكوريّة سواء أكانت سلطويّة أو دينيّة. هي دومًا على الهامش الاجتماعي والسياسي. هي أداة للجنس والتناسل ليس أكثر. من هنا، من الطبيعي أن يشكّل نشر علياء لصورها صفعة للبنى الاجتماعيّة- السياسيّة. أعلنت علياء أنّ جسدها هو ملك لها وليس ملك “الأخ الأكبر” الذكوري. هكذا، وعبر الفضاء الإلكتروني، أخرجت علياء جسدها من المجال العام ونقلته إلى الحيّز الخاص. وهذا ما أرعب، بشكل ملحوظ، مختلف البنى الذكوريّة التي لن تستطيع تقبّل هذه الفكرة، لأنّ هذا التمرّد يعني فقدان أحد أبرز أشكال التسلّط التي تتمتّع بها الذكوريّة، وهو السيطرة على الأنثى وجسدها.

 
الحدث الثاني تمثّل بفحص عذريّة الفتيات المشاركات في الاحتجاجات في القاهرة من قِبل المجلس العسكري الذي قبض على الحكم بعد سقوط رأس النظام. هذه الفحوص عبّرت خير تعبير عن ذهنيّة السلطة الذكوريّة تجاه المرأة، باعتبار جسدها ملكًا عامًا للسلطة. رفضت الناشطة سميرة ابراهيم الإهانة الذكوريّة لها، فرفعت دعوى قضائيّة ضد المؤسسة العسكريّة. ومن اللافت أنّ القضاء وقف هذه المرّة إلى جانب المرأة وحقّها في جسدها.
أمّا الحدث الثالث فهو من أهم الأحداث التي علقت في أذهان الكثيرين: مجموعة من العسكر في ميدان التحرير يضربون ويسحلون ويعرّون شابّة متظاهرة عُرفت فيما بعد بـ“الفتاة ذات الصدريّة الزرقاء”. اختزن هذا المشهد كميّة من العنف والكراهيّة الاستثنائيين، كما أنّه شكّل رمزًا مختزلاً عن الذهنيّة الذكوريّة التي حكمت وتحكم منذ حقبات بعيدة. أراد هؤلاء العسكر بعنفهم الذي بدا غير محدودًا أن يؤكدوا أنّهم مازالوا يسيطرون على المشهد بكلّ عناصره: الميدان، الهواء، الحركة… والأجساد. تعريتهم لتلك الشابة كانت محاولة للتأكيد أنّ جسد الأنثى سيبقى تحت رحمتهم وسلطتهم.
جميع هذه الأحداث كانت تُواجه بذكوريّة السلطة والمجتمع. كان من المتوقّع أن تخرج فئة من الذكوريين المصريين (والعرب) لتطالب بإعدام علياء المهدي عقابًا على ما فعلته. لكن ما أثار الاستغراب هو قيام الغالبيّة الساحقة من الذين ينتمون إلى التيّارات التحرريّة بإدانة ما قامت به علياء على اعتبار أنّ “الأولويّة الآن لقضايا أخرى”، وكأنّ الحريّة  يمكن تجزئتها. كما أنّ الكثيرين قاموا بتبنّي رواية المجلس العسكري حول فحوص العذريّة  مبرّرين فعلتهم بأنّ “الفحوص هي لحماية العسكر من أي تهمة اغتصاب قد تتوجّه به الفتيات ضدّهم”. حتى أنّ مشهد سحل “الفتاة ذات الصدريّة الزرقاء” الذي تعشّق في الذاكرة البصريّة للوعي الجماعي برز من دافع عنه، وبرّره. يبدو أنّ المعركة التي بدأت ضد الطغاة لن تنتهي مع رحيلهم. سقوط الدكتاتوريّات ليس سوى البداية. اليوم، تحدّيات أخرى تلوح في الأفق. فوصول الإسلاميّين إلى السلطة هو بداية لمعركة أخرى ضد البطريركيّة والقمع والاستبداد. علينا الاستعداد للقادم!

الصفحة العاشرة/ السنة العاشرة/ العدد 23 /08 اذار 2013

0 comments:

Post a Comment