جميع الحقوق محفوظة لصالح جريدة المساواة الرجاء ذكر المصدر عند اعادة النشر او الاقتباس

All rights reserved for Al Mousawat Journal Please mention the source when you republish or quote




Friday, March 8, 2013

ذوو البشرة السمراء في العراق وثقافتهم المجهولة !


Photographer - Mitchell Kanashkevich



أحرار العراق : قبل الحديث عن (تاريخ سود العراق) ( الزنوج ـ ذوي البشرة السوداء) ، يتوجب التوضيح ان العبودية وجدت في تاريخ العالم أجمع، ولم تكن مرتبطة أبداً بالجنس الاسود، بل شملت جميع الاجناس. منذ فجر التاريخ ظلت الجماعات والشعوب عندما تنتصر على أعدائها، أما أن تقتلهم أو تجعلهم أسرى وعبيدا لتستفيد من جهدهم. ولم يكن يهم أصلهم ولون بشرتهم، حتى لو كانوا من أبناء العمومة المنافسين. كذلك كانت العبودية تحصل نتيجة الفقر والمجاعة، إذ أن الكثير من الجماعات والعوائل كانت تفضل أن تبيع أبناها لمن يمنحهم الحياة على أن يموتوا جوعاً. إن وضع العبيد في العراق وفي عموم المجتمعات العربية الاسلامية، ظل مختلفاً تماماً عن وضعهم في أمريكا وعموم الغرب. فهنالك عدة أسباب جعلت العبيد في المجتمعات الاسلامية بوضع محتمل نسبياً مقارنة بالقسوة والوحشية التي عوملوا بها في الغرب وفي أمريكا خصوصاً. فالاسلام والقرآن حثا على عتقهم، كذلك كانت هنالك شخصيات سوداء أسلامية يجلهم المسلمون. فهنالك (بلال الحبشي) مؤذن الاسلام، و(سعيد بن جبير الحبشي) الصحابي، و(عطاء بن رباح النوبي) التابعي والفقيه، و(مهجع) أول شهداء المسلمين، و(جليب) الذي قال عنه النبي (ص) بعد مقتله (هذا مني وأنا منه)، و(نابل الحبشي)، و(أبو لغيط الحبشي). كذلك ينظر الميراث الاسلامي بعين التقدير الى (النجاشي المسيحي الاسود) ملك الحبشة الذي استقبل الصحابة (رض) في هجرتهم الاولى.
ويمكن ذكر نموذج البطل الاسود (عنترة بن شداد) الذي لعب أيضاً دوراً إيجابياً في التراث العربي. ثم ان شعوب العالم العربي بتاريخها التمازجي العريق، كانت بطبعها سهلة بتقبل الغريب، فمن الشائع أن تحصل حالات تزاوج مع النساء السوداوات ليلدن أبناء عرب ببشرة سوداء. والاهم من هذا، ان الاسلام فرض الايمان على العبيد، وبالتالي منحهم حقوق المسلم، مما سمح للكثير من السود أن يبرزوا في تاريخ الشعوب العربية، أمثال (الاخشيدي) سلطان مصر، وأسماء أخرى سوف نتطرق لها. ان من يتمعن جيدا في العراقيين، يكتشف انهم مزيج متداخل من عدة أجناس ظلت تنصهر فيه منذ آلاف السنين: الجنس الابيض (القفقاسي ـ الآري ـ السامي البحر المتوسطي)، الجنس الاصفر (آسيا الوسطى)، والجنس الاسمر (سواحل المحيط الهندي والخليج)، والجنس الاسود (افريقيا). لهذا فأن دماء السود ظلت حاضرة ويمكن ملاحظتها بسهولة على بشرة الكثير من العراقيين وخصوصاً في الجنوب. من الصعب تقدير عدد السود في العراق. ربما بضعة مئات من الآلاف. فليس هنالك أية دراسة عنهم ولا عن تاريخهم أو ثقافتهم. يتواجدون أساساً في المحافظات الجنوبية، ويكثرون في البصرة. إنهم موجودون في العراق منذ العصور الحضارية القديمة، فالمنحوتات الأثرية تظهر أشخاصا سودا بشعر أجعد. ربما تم جلبهم من خلال التجارة مع سواحل جنوب الجزيرة العربية وأفريقيا. ولكن وجود السود أصبح واضحاً في الفترة العباسية. فمع تحول العراق الى مركز للامبراطورية والحضارة العربية الاسلامية أدى الى جلب آلاف السود للعمل في مزارع الجنوب. واستمر جلبهم على شكل أفراد أو جماعات للخدمة. علماً انه كان نوعان من الرق في المجتمع العراقي في أثناء الفترة العباسية: ـ المماليك، وهم من: البيض، من أصول قفقاسية وسلافية وأوربية، وقد تم بيعهم وهم أطفال من قبل أهاليهم بسبب الفقر، وعلى أمل أن يجدوا مستقبلاً لهم في بلاد غنية. وقد لعب المماليك والجواري دوراً مهماً في المجتمع العراقي في تلك الحقبة، سواء في الحياة الثقافية أم السياسية. ولقد تمكن المماليك من أصول تركية وقفقاسية من تكوين سلالات حاكمة في مصر والشام والعراق. وقد برز مماليك العراق الجورجيون في الحقبة العثمانية من (1747 حتى1831 ) وكان آخرهم الوالي المصلح الشهير(داود باشا).. والنوع الثاني السود، وهم من الافارقة الذين كانوا يجلبون من شرق أفريقيا من أجل العمل في الزراعة خصوصاً منذ القرن الاول الهجري. وقد تكاثر جلب الزنوج مع الازدهار في الفترة العباسية. وكانت المرأة السوداء مفضلة في الزواج بسبب وفائها وحنانها، فأن (الخيزرانة) أم الخليفة (هارون الرشيد) كانت سوداء من أصل مغربي أو يماني، كذلك كان هنالك تيار ثقافي نشيط يدافع عن السود، من أهم وأشهر رواده الاديب العراقي الكبير (الجاحظ) وهو من ذوي البشرة السوداء، والذي وضع رسالة بأسم (فخر السودان على البيضان)، أبرز فيها فضائل السود ومحاسنهم وصفاتهم الإيجابية، وكذلك (المرزبان) الذي كتب رسالة (فضل السودان على البيضان). كذلك الفقيه العراقي (ابن الجوزي) كتب في الدفاع السود، والعالم (السيوطي)، والعالم (البخاري). لقد شهدت مدينة البصرة في منتصف القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) ما عرف بـ (ثورة الزنج)، الذين ثاروا على الملاكين وسلطة الدولة. كان مقرها مدينة المختارة (جنوب البصرة)، وكانت أطول ثورات العصر العباسي وأخطرها، إذ دامت أكثر من عقدين. لم يترك السود تأثيراً لغوياً وادبياً متميزاً إلاّ في بعض المفردات المنتشرة في اللهجة العراقية. ولكنهم أثَّروا كثيراً في مجالات الرقص والموسيقى والغناء، التي هي في أصلها طقوس دينية مزيجة من معتقدات أفريقيا وطرق المتصوفة المسلمين. مثلاً رقصة (الهيوة) وبعض الايقاعات الجنوبية المعروفة، وما يسمى أيضاً بفنون الخشابة، من غناء ورقص وموسيقى. ومن آلات العزف الايقاعية (المسوندو) (الجكانكا). وفي الفترة الاخيرة تكونت حركة سياسية تطالب بحقوق السود في العراق : (حركة العراقيين الحرة). ولكن السود خصوصاً بحاجة الى مؤسسات أكاديمية ومنظمات ثقافية واجتماعية تعَّرف بهم وبتاريخهم وتراثهم الثقافي وتبث الوعي لدى العراقيين بحقوقهم وخصوصيتهم التاريخية.
الصفحة السابعة/ السنة العاشرة/ العدد 23 /08 اذار 2013

0 comments:

Post a Comment